وكفى بها فتنه البارت الثامن عشر18 بقلم مريم غريب


وكفى بها فتنه
البارت الثامن عشر18
بقلم مريم غريب



مضي زمن طويل منذ أن ذهبت "سلاف" في نزهة مع صديقاتها أخر مرة ...

و لكنها كانت سعيدة الآن و هي تدخل ذلك السوق التجاري الكبير برفقة كلا من "حلا" و "مايا" رغم أنها لا زالت لا تصدق التغير الذي أصاب غريمتها هذه

مع ذلك شعرت بالحماسة تغمرها و تمدها بالنشاط لتتابع بقية النهار علي قدر واسع من الرحابة ..

كانت مجموعة الملابس لطيفة فعلا في هذا المتجر كما قالت "مايا" و وجدت "سلاف" عدة أشياء لتجربها ، بينما توجهت "حلا" إلي قسم الأحذية لتختار شئ يناسبها

و أخيرا ها هي الفرصة التي خططت لها .. سنحت لها بسهولة كبيرة

كانت حقيبة "سلاف" التي أودعتها معها أمانة ريثما تنتهي من قياس الملابس هي الهدف الحفيقي و المنشود من هذه المسرحية كلها

دست "مايا" يدها في حقيبة "سلاف" و عيناها لا تكفان عن المراقبة ... لم تخرج الهاتف ، لكنها نفذت غايتها بسرعة خفية ، ثم عادت إلي مظهرها الطبيعي و كأن شيئا لم يكن ..

-إيه رأيكوا ؟! .. قالتها "سلاف" بتساؤل و هي تدور حول نفسها مستعرضة فستانا بدا و كأنه صنع لأجلها

حلا بإعجاب :

-جميل أوي يا سلاف
يجنن عليكي يا حبيبتي

سلاف بإبتسامة خجلة :

-ميرسي يا لولو
طيب و إنتي إيه رأيك يا مايا ؟

مايا بإبتسامتها المتكلفة :

-رأيي من رأي حلا طبعا
الفستان بقي أحلي لما لبستيه

سلاف بإمتنان :

-يا حبيبتي شكرا
إنتي الحلوة و الله يا مايا

نظرت "حلا" لإبنة خالتها بعدم راحة و تساءلت :

-طيب و إنتي مش هتختاري حاجة و لا إيه يا مايا ؟!

مايا بلهجة معابثة :

-إحنا في محل محجبات يا حلا
إنتي شايفاني محجبة ؟
لما سوفا تخلص تبقوا تيجوا تلفوا معايا لحد ما أشتري أنا كمان

و دق هاتفهها في هذه اللحظة ..

مايا و هي تلقي نظرة سربعة علي الرقم :

-طيب يا بنوتات
أنا هطلع برا شوية عشان أرد علي المكالمة دي .. و خرجت

ثم ردت بصوت محبور للغاية :

-مامتي !

راجية : إيه يابنتي طمنيني
عملتي إيه ؟؟؟

مايا : خلاص يا ماما
كله بقي تمام

راجية و قد بدا التفاخر في نبرتها :

-جدعة يا مايا
صحيح بنت أمك . بس مش هاوصيكي بقي
أخريها علي أد ما تقدري
عايزاكي ترجعيها البيت متأخر فاهمة ؟

مايا بإبتسامة شريرة :

-فاهمة يا ماما !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

كان النهار قد ولـَّي ... عندما عاد "أدهم" إلي المنزل

و كعادة كل يوم يتحرق شوقا لرؤيتها ..

قابل "عائشة" في الردهة فألقي السلام عليها و هو يقبل جبينها :

-إزيك يا شوشو !
أخبارك إيه إنهاردة يا حبيبتي ؟

عائشة بإبتسامة :

-كويسة يا دومي
حمدلله علي سلامتك
تحب أحضرلك الغدا دلوقتي ؟!

أدهم و هو يتلفت حوله باحثا عنها :

-لأ أنا إتغديت من بدري
هو البيت ماله ساكت كده ليه ؟؟؟

عائشة : أصل مافيش حد هنا غيري أنا و تيتة
و ماما لسا مارجعتش من برا

نظر لها "أدهم" و تساءل بإهتمام :

-مافيش حد هنا غيرك ؟
أومال سلاف فين ؟؟؟

عائشة بصوت عادي :

-لسا مارجعتش هي كمان

أدهم بدهشة ممزوجة بالقلق :

-إزاي مارجعتش من جامعتها لحد دلوقتي ؟
ده إحنا بقينا المغرب !!!

عائشة بإستنكار :

-جامعة إيه يا أدهم ؟
هو في جامعة بتقعد لدلوقتي ؟!

أدهم و قد إجتاحه التوتر الشديد :

-أيوه مافيش جامعة بتقعد لدلوقتي
طيب إيه إللي آخرها ؟؟!!

عائشة بإستغراب :

-الله !
هو إنت ماتعرفش هي فين ؟
هي مش قالتلك ؟؟

أدهم : قالتلي إيه ؟
ما قالتش حاجة !

نظرت له "عائشة" و تمتمت بصدمة :

-ماتصلتش بيك ؟؟؟

أدهم بإنفعال :

-لأ ماتصلتش
في إيه ؟ إنتي مخبية عني إيه ؟
إنتي تعرفي هي فين ؟؟؟

رمقته "عائشة" بنظرات حائرة و غمغمت لنفسها : " الله يسامحك يا سلاف . إيه إللي هببتيه ده بس ؟ أومال لو ماكنتش موصياكي ! "

-ما تتكلمي يا عائشة سلاف فين ؟؟؟ .. قالها "أدهم" صائحا بنفاذ صبر

لتنظر له "عائشة" بتردد ... لا تعرف بماذا تجيبه !

..........

أمضت "مايا" الشطر الأكبر من ذلك اليوم في صالون التجميل و شراء الأغراض التافهة التي لا تسمن و لا تغني من جوع ...

لم تكن تريد شيئا كان هدفها مختلف تماما و بلوغ نجاحها بات وشيكا

كانت تجلس الآن و تجرب زوجا من الأحذية عندما تأففت "حلا" قائلة بضيق :

-و بعدين يا مايا ؟
بقالنا ساعة في محل الجزم ده
إنجزي بقي الدنيا ضلمت برا عايزين نروح

مايا ببرود و هي تلوي كاحلها متفحصة الحذاء بإعجاب :

-إيه يا حلا مالك ؟
زهقانة كده ليه ؟
لسا بدري يا حبيبتي و بعدين في حد يستعجل الخروج عشان يروح البيت ؟!

حلا بنفاذ صبر :

-أه أنا ياستي
خلصي بقي أنا فصلت خلاص
عايزة أروح أرتاح

مايا بهدوئها المستفز :

-طيب إستني أجرب الشوز الأخيرة دي و بعدين نمشي

إحتدمت "حلا" غيظا لتنظر لها "سلاف" بتعاطف و تهمس بلطف :

-معلش
إصبري عليها شوية كمان

...........

أعاد الإتصال بها للمرة العشرون حتي الآن ... و لكن الجواب نفسه في كل مرة

( لم يتم الرد علي المكالمة ) ..

كاد يفقد صوابه و هو يقطع الصالة ذهابا و إيابا بلا هوادة كاتما إنفعالاته العنيفة في نفسه ... كانت أمه هنا الآن

وصلت منذ قليل لتفاجأ بهذه الأنباء الخطيرة ، و أخيرا تدخلت عندما إستوعبت الموقف جيدا ..

أمينة بتعجب :

-الله !
طيب مش عائشة قالت إنها مع مايا و حلا ؟
ما حد منكوا يتصل بيهم طالما مش بترد هي علي موبايلها

عائشة بتوجس :

-يا ماما هي حاجة زي دي هتفوتني يعني ؟
و حلا كمان موبايلها مقفول هي و مايا

إبتلعت "أمينة" صيحة هلع أخري في حنجرتها حتي لا تزيد من سوء الأمر عند "أدهم" ..

صار الصبر ثقيلا جدا الآن ... مع دقات التاسعة مساءً ، خرج "أدهم" عن صمته صائحا بإنفعال :

-لأ كده مش طبيعي
أكيد في حاجة . التأخير ده مش طبيعي
أنا لازم أتصرف لازم أعمل حاجة

أمينة بحيرة ممزوجة بالوهن :

-يعني هتعمل إيه بس يابني
إصبر . إصبر شوية كمان يمكن نلاقيها داخلة علينا دلوقتي

أدهم بعصبية :

-أصبر أكتر من كده ؟؟؟
عايزاني أستني لنص الليل يعني عشان أتحرك ؟؟؟؟ ... و ما كاد يلقي ردا

حتي سمع مفتاحا يدور بقفل باب الشقة ، و شاهد ملامح أمه تسترخي و سمعها تزفر بإرتياح قائلة :

-الحمدلله
أهي جت !

ثم سمع صوتها هي :

-مساء الخير يا جماعة ! .. و إلتفت إليها بسرعة

كانت تقف بالقرب منه الآن ... تبتسم تلك الإبتسامة الرقيقة خاصتها ، لوهلة كاد ينسي نفسه و كل شئ أمام هذا الملاك الذي أصبح من نصيبه

لكنه وضع حجرا علي قلبه

بدا و كأنه يصارع مشاعره ، كلما حاولت عضلات وجهه الإسترخاء عاد ليقبضها بقوة ..

-كنتي فين ؟؟؟ .. هل خرجت تلك الزمجرة من حنجرة "أدهم" ؟؟ أين نبرته اللطيفة الخافتة ؟؟؟!!!

كان هذا سؤال "سلاف" لنفسها و هي تجفل من لهجته غير الإعتيادية ..

-كنت مع مايا و حلا بنشتري حاجات ! .. أجابته بصوت هادئ

أدهم بحدة و هو يقترب منها :

-و مابترديش علي موبايلك ليه ؟
إنتي عارفة أنا كلمتك كام مرة ؟؟؟

و فورا أخرجت "سلاف" هاتفهها و تفاجئت عندما ثبت لها صحة كلامه ... نظرت له و قالت ببراءة :

-Sorry يا أدهم . الموبايل كان Silent ماسمعتوش

ينفجر "أدهم" غاضبا فجأة :

-و إزآاي أصلا تخرجي منغير ما تقوليلـــي ؟
إنتي فاكرة إنك لسا حرة في تصرفاتك زي الأول ؟
لازم تعرفي كويس إن الخروج بحساب و الدخول بحساب
إنتي مش مسؤولة عن نفسك دلوقتي
و في حدود مش هسمحلك تتعديها سـآامعة ؟؟؟

كانت تنظر له بصدمة و الدموع متحجرة بعيناها ... بينما أسرعت "أمينة" نحو إبنها و أمسكت بذراعه قائلة بحزم :

-أدهــم !
إهدا شوية و وطي صوتك
عشان جدتك

سلاف بجمود :

-سيبيه يا عمتو . سيبيه يقول كل إللي هو عايزه .. ثم أكملت و هي تتظاهر بالثبات :

-كلام يا أدهم إنت ممكن تقول إللي إنت عايزه
لكن صيغة الأمر إللي بتتكلم بيها دي أنا ماقبلهاش
أنا فعلا حرة و إنت مش من حقك تتحكم فيا ماتنساش إن ده كان إتفاقنا

أدهم بحدة شديدة :

-أنا من حقي أتحكم فيكي و آمرك كمان
و أقولك علي حاجة مافيش خروج من البيت بعد إنهاردة إلا و رجلي علي رجلك
خلاص إنسي إنك تخرجي لوحدك تاني يا سلاف

سلاف بتحد :

-طيب يا أدهم عند بقي أنا هخرج إيه رأيك !
هطلع أبات الليلة دي عند عمتك لبنة وريني هتحبسني إزاي ؟! .. و إستدارت متجهة صوب باب الشقة

لكن شيئا أمسك بكنزتها و سحبها بعنف إلي الخلف ..

-إنتي كده بتخرجيني عن شعوري .. جأر "أدهم" بغضب شديد و قد كان يمسك بكنزتها ملء يده

-أدهـــم ! .. هتفت به "أمينة" للمرة الثانية و لكن بصرامة أكبر

لم تدرك "سلاف" من الخوف الذي شعرت به أن دموعها بدأت تسيل ... بينما إهتز تصميم "أدهم" عندما رآها تنكمش محاولة الفكاك منه و لمح إلتماع خطوط الدموع علي خديها

إرتد إلي الخلف مبتعدا عنها بسرعة و كأنها تحمل وباءً خطير ، لتفر هي من أمامه للحال هاربة إلي غرفتها ، و يستمع هو إلي تصاعد وتيرة بكائها بقلب مفطور ..

ماذا فعل لها ؟ .. منذ متي يتخذ العنف سبيلا ؟ ماذا جري له 





تعليقات