قصة جراح الغربة البارت الاول1 بقلم نجلاء عامر


قصة جراح الغربة
البارت الاول1
بقلم نجلاء عامر 


باحد المنازل ذات الطابع العصري على الرغم من وجوده فى احد القرى الريفية باحدى المحافظات مصر  تجلس فتاة جميلة ورقيقة من يراها يعتقد انها طفلة بسبب صغر حجم جسمها وتلك الضفيرتين الطويلتين التى تزين راسها تبكي بين احضان احدى السيدات بحرقة فقلبها يئن على فقدها السند والقلب الذى كان ينبض بوجودها تبكى ابيها الذى كان لها كل شئ فهو الاب والام والاخ لقد مات من كانت تحتمي به من الايام كانت السيدة تواسيها وتحاول ان تهدء من بكائها 

- اهدى يا بنتى انتى كده بتعذبي ابوكي حرام يا حببتي ادعى له هو دلوقتى مش محتاج الا دعوتك

- مش قادرة يا خالة سعاد دموعى مش هتجف عليه ابدا ابويا سندي وكل حياتى يا رب ارحمه واغفر له شوفتي يا خالة الناس بتحبه ازى شوفتي الكل بيدعي له ازاي شوفتي حزنهم عليه ازاى امال انا اعمل ايه

- ده عمره يا بنتى ادعى له هو ارتاح من التعب اللى كان فيه يا قلبي وكان بيتعذب من كتر الامه دايما بيجى على نفسه علشان ميخلكيش تتوترى وتعرفى تركزى فى مذكرتك تحسي انه كان مستني بس تخلصي امتحاناتك علشان يطمن عليكى 

- اه يا ابويا طول عمره بيخاف عليا ونفسه اكون احسن بنت فى الكفر ياما اتحمل علشاني الكتير و مرضيش انه يجيب لي مرات اب خاف ان حد يجى ويقسى على طول عمره حنين اوى بس فعلا زى ما بتقولى يا خالة ارتاح من عذاب المرض والالم هاقول ايه ان لله وانا اليه لراجعون هقوم اتوضى واصلى واقرا قرآن وربنا يجعله فى ميزان حسناته 

-ايوه يا بنتى  يلا ربنا يصبر قلبك 

******************************
وفى مكان اخر فى المنزل وهو خاص باستقبل المعازين الرجال يجلس رجل فى اوائل الخمسينات من عمره حزين على فقدانه صديق واخ فهو اخر من تبقى من عائلته ابن عمه الوحيد فقد كانوا اكثر من اخوات على رغم من بعد المسافة بينهم فهو يقيم فى القاهرة و ابن عمه فى مسقط راسهم لكنه لم يتاخر يوما عن زيارته كان دائما ما ياتى اليه لكن مشاغل الحياة قد باعدت قليلا بينهم وعندما علم بمرضه الاخير جاء وظل بجانبه الى ان وافته المنيه بين يديه وهو يوصيه بابنته الوحيدة التى لا قريب لها غيره فاهل والدتها منهم الذى هاجر من سنين ومنهم من انشغل بحياته ولم يعد احد يسال عنهم وتقريبا علاقتهم مقطوعة منذ وفاتها اما اهله فلا يوجد له غيره وكذلك فهى لا تعرف احد غيره قريب لها 
-البقاء لله يا استاذ إسماعيل

-البقاء والدوام لله يا حضرت العمدة

-معلش مع ان الظروف والوقت ميسمحش بالكلام ده بس انت ناوى تعمل ايه مع رحمة انت عارف انها ملهاش حد غيرك دلوقتى 

-اكيد ملهاش حد غيرى دى وصية وفيق ليا عمرى ما افرط فيها 

-اكيد يا استاذ إسماعيل بس متاخذنيش يعنى هى بنت وانتم يعنى انتين رجالة لحالكم فى البيت هتقدر تعيش معاكم ازاى وانتم منتش محارم ليها ولا هتفتوها لوحدها هنا فى الكفر 

يسكت اسماعيل ليفكر فيما قاله العمدة فعلا هو مش محرم ليها اه هو فى مقام عمها وهى تتعامل معه على هذا لكن الشرع والدين ليس فيه هذه الكلمة
ليخرج إسماعيل من شروده ويرد على العمدة

-ان شاء الله هيكون ليها حل متقلقش يا حضرت العمدة

-ليرد عليه طب ابقى بلغنى هتعمل ايه علشان كان فى موضوع كده ممكن يكون حل رايد اكلمك فيه على انفراد  بعد ما ايام العزا ما تخلص واهو كلها اخر الاسبوع واجى ليك ولا انت مسافر قبل كده 

-لا انا قاعد شوية لغاية ما اخلص شوية اجرات واوراق واشوف هعمل ايه

-طب فوتك بعافيه
ليتركه العمده ويمشي ولكن تركه وفكره مشغول فى هذا الموضوع الذى لا يعلم كيف سيحله فماذا عليه ان يفعل لتظل رحمة فى رعايته وينفذ وصية الغالى 
*******************************
بعد مرور بعض الوقت اطمن إسماعيل على رحمة وتركها مع الست سعاد وذهب الى غرفة وفيق وجلس يتذكر اخر كلام بينهم قبل وفاته بدقائق

"فلاش باك"

-ارتاح يا وفيق يا خويا نام شوية مشوار المستشفى مش هين والعلاج بيتعب قوى وانت مش راضى تفضل فى المستشفى صممت ترجع علشان تطمن على رحمة عملت ايه فى الامتحانات

-مش هرتاح يا إسماعيل غير لما اطمن على بنتى اللى حيلتى دى اللى فاضلة ليا من الغالية غالية حب عمرى كله فاكر غالية يا إسماعيل الكفر كله كان يتمنى بس نظرة منها لكن القلوب هى اللى اتلاقت من واحنا صغار وهى مرهونة لوفيق ياما اتقدمولها الكتير بس هي مكنش نصيبها الا ليا

ينظر له إسماعيل و يتذكر تلك الجميلة التى سرقت قلوب الجميع لكن قلبها منذ الصغر كان مربوط بحب وفيق وبس وعلشان كده اصبحت كاخته تنهد ورد عليه

-الله يرحمها يا وفيق حد يقدر ينسى غالية ولا حبكم لبعض ربنا يرحمها

- مش هنسى لما اتجوزنا اد يه كنت حاسس ان مش عايز اي حاجة تانى من الدنيا الا وجودها معايا فى بيت واحد ياه يا إسماعيل تعرف حتى لما تاخرت فى الحمل والكل كان يقول اتجوز علشان ربنا يكرمك بالخلف خصوصا انا اتاخرنا ٨ سنين  ولا اكتر من غير اولاد وطبعا لانك كنت اتجوزت انت وام ساهر قبلنا بشهرين وربنا رزقك بساهر لحد ما ربنا اكرمنا وحملت كانت الدنيا مش سيعنا علشان بعد الصبر هنشوف اخيرا حتة منا بين ايدينا لكن ربنا اراد انه يوم ما اشوف زهرة حبنا انى اتحرم من حب عمري اللى فضلت حزين عليها طول حياتى طلعت كل حبي لغالية و اديته لبنتها اللى كانت حته من امها وكانت رحمة رحمة ليا بعد ما خسرت الغالية ليسعل ونفسه يرتفع 

-ارتح يا وفيق كفاية كلام انت تعبان 

-تعرف يا إسماعيل انا حاسس ان الاجل قرب خلاص 

-بعد الشر عليك يا اخويا ان شاء الله هتخف وتبقى كويس الدكتور بيطمنا الحمد لله وبعدين مين اللى هيفرح بنجاح رحمة و يجوزها

-ما هو علشان كده بقولك اهو يا إسماعيل رحمة امنتى عندك يا اخوى اقف جنبها ودخلها الكلية اللى نفسها فيها حكم رحمة طلعة شاطرة زى ولدك هى نفسها تبقى صحفية مشهورة وكاتبة كبيرة ساعدها يا اخوى علشان توصل للى هى عايزاه انا خلاص بين ايادى ربنا ده اخر طلب ورجاء ليك اتمنى انها تتحقق

-رحمة فى عنيه يا وفيق بس متتعبش نفسك وارتاح وان شاء الله انت اللى هتفرح بيها وبتفوقها انت تعبت كتير معاها مردتش تجيب لها مرات اب واتوليت تربيتها من ساعة ما اتولدت وامها راحت عند اللى خلقها من وقتها وانت بقيت لها الاب والام والاخ

-هى الساعة كام يا اسماعيل علشان رحمة كده قربت تخلص امتحانها النهاردة اخر يوم ونفسي تطمنى انه عدى على خير 

-خلاص يا اخويا زمنها على وصول ارتاح انت شوية على ما تيجى 

"باك"

الله يرحمك يا وفيق متخفش يا اخويا امنتك فى رقبتى ليوم الدين 

******************************
فى صباح يوم جديد وبعد انهاء ايام العزاء الجميع مجتمعون على مائدة الإفطار عندما انطلق رنين هاتف اسماعيل يعلن عن مكالمة من ابنه ساهر وعندما نطق باسمه انتبهت رحمة اليه وفى عيونها دموع محبوسة لا تتسقط دموع على فقدان الاب وكذلك على حب مسجون بقلبها لا يعلم به احد

-صباح الخير يا ساهر عامل ايه ثم نهض وهو يتحدث اليه تحت نظر رحمة وتسارع نبضات قلبها الحزين

-كده يا ساهر متجيش تاخد معايا عزا عمك هو مكنش ليه غيرنا انا قولت هتيجى ولو مرة لكن مرت ايام العزا وانت حتى مفكرتش تيجى تطل علينا ولا تاخد بخاطر بنت عمك 

-يا بابا انت عارف انى بخلص ورق البعثة ومش فاضى ولا دقيقة واحدة الوقت خلاص وانت عارف الاجراءات والروتين وكل يوم تطلع ليا ورقة مطلوبة بس الحمد لله النهاردة هستلم كل الاوراق الخاصة بالسفر خلاص انا هكون عندك بكرة الصبح اعزى رحمة و نرجع مع بعض لان سفرى هيكون اخر الاسبوع الجاى 

-على طول كده يا ابنى ربنا يوفقك كنت عايزك فى حاجة مهمة لو تعرف تيجى النهاردة بعد ما تخلص مشاويرك تعالى 

-تمام يا بابا اول ما هخلص هكون عندك على طول 

-تسلم ياابنى ربنا يسلم طريقك وتيجي بالف سلامة
جلس على المقعد وهو يحدث نفسه اظاهر ان مفيش حل غير كده علشان احافظ على الامانة ربنا يسهل ويوافق 

فى ذلك الوقت كانت رحمة قد صعدت الى غرفتها وتجلس امام نافذتها تتذكر ابيها وكيف كان يهتم بكل تفاصيلها تنهدت وهى تبتهل الى الله ان يغفر له  وتطلب له الرحمة على قدر ما تعب واهتم بها دخلت عليها سعاد لتخبرها ان عمها اسماعيل يطلبها بحديقة المنزل لتنزل اليه سريعا 

-نعم يا عمى الخالة سعاد بلغتنى ان حضرتك عايزنى

-اتفضلى يا بنتى انتى عارفة طبعا ان ابوكى موصينى عليكى. وانك ان شاء الله هتنزلى معايا القاهرة تعيشى معايا وان شاء الله نتيجتك تظهر ونفرح بالمجموع اللى تتمنيه واللى تحققى بيه امنيتك انتى وابوكى الله يرحمه

-يا رب يا عمى املى ان احقق حلمه واكون زى ماكان بيتمنى 

-ان شاء الله يا بنتى 

ساهر باذن الله هيكون هنا على بعد المغرب كده وان شاء الله نرجع مع بعض كلنا حضري نفسك يا بنتى ولما النتيجة تظهر نيجى نسحب ورقك ونقدم ليكى فى جامعة القاهرة 

-ان شاء الله يا عمى كانت رحمة فى هذا الوقت بالها مشغول فيما سيحدث لها بالمستقبل وكيف ستكون حياتها الجديدة ثم تركت عمها وذهبت لتحضر نفسها

فى هذا الوقت حضر له احد العاملين بمنزل العمدة يبلغه انه يستاذن للحضور لزيارته فهو يريد ان يحدثه على انفراد كما ابلغه منذ ايام وقت العزاء فقام اسماعيل بابلاغه بانه ينتظره بعد صلاة العصر باذن الله

********************************
وفعلا بعد صلاة العصر حضر العمدة ومعه اثنين من كبار الكفر لكى يتحدث معه فى ذلك الموضوع الهام مما جعل إسماعيل يشعر بالاندهاش وذلك لانه كان يريد ان يحدثه على انفراد كما اخبره سابقا 

-مساء الخير يا جماعة نورتوا الدار 

-ده نورك يا استاذ إسماعيل 

-خير يا حضرت العمدة كنت عايزنى فى ايه

-ابدا يا استاذ إسماعيل كنت عايز اكلمك فى موضوع بنت المرحوم وفيق رحمة الصراحة كدة البنت زينة وما شاء الله هادية و الكل بيحلف بادبها وجمالها فقلت مادام البنت ملهاش حد فى الكفر هنا وحضرتك زي ما انا قلتلك فى العزا ميصحش يعنى تكون معاك قلت يعنى انا ابنى اولى بيها وانت عارف الحاج وفيق كان غالي عليا اد ايه

-ابنك مين يا عمدة هو انت عندك اولاد غير فهمى وعلى حد علمى انه متجوز بنت عمه

-لا يا استاذ إسماعيل هو فهمي انت عارف انه متجوز من سنتين وربنا ماذنش بالخلف قلت هو اولى برحمة يمكن يكون ليه نصيب منها بالخلف اللى نفسنا فيه وبكده تكون اتحلت المشكلة انت اطمنت على رحمة انها فى كنف عيلة كويسة والكل بيحلف بيها فى الكفر وكمان فهمى زين شباب الكفر وبيدير مصلحنا و ان شاء الله يجعل من رحمة سبب فرحنا ونشوف الحفيد اللى بنتمناه ها قولت ايه يا استاذ إسماعيل انا جايب معايا اتنين من كبارات الكفر علشان لو اتفقنا نقرا الفاتحة 

-تحدث اليه اسماعيل بهدوء كتر خيرك يا حضرت العمدة انك فكرت فى حال رحمة وحاولت انك تلاقى حل للظروف اللى احنا فيها بس انت عارف ان رحمة صغيرة وعايزة تكمل علامها زى ما كان ابوها عايز 

-جرى ايه يا استاذ اسماعيل ملهوش عازة العلام ، علام ايه وبتاع ايه البنت مالهاش غير بيتها وجوزها وكفاية عليها علام على كده هتعمل بيه ايه وفهمي هيخليها مش عايزة حاجة خالص وهيحطها فى عنيه

-معلش يا عمدة بردوا مينفش البنت تدخل على ضرة انت ترضها لبتك بردوا استنى على مرات ابنك يمكن ربنا ياذن وتجيبلك الحفيد اللى بتتمناه

-الصراحة بقى يا استاذ اسماعيل ان فهمى ابنى رايد رحمة من زمان لكن ابوها كان رافض علشان صغيرة ولما حصل واتوفى والوضع اللى بقيت فيه قولت فهمي اولى بيها هو بيحبها ورايدها وهيشيلها فى حبابي عنيه

-يرضيك كدة يا حاج بقى ابوها ميرداش يجوزها علشان صغيرة وعلشان علامها اقوم انا اعمل كده هكون انا كده على اد الامانة اللى امنها لي كده يرضيكم بردوا يا جماعة

-يجيبه احد الكبارات لا عندك حق يا استاذ إسماعيل

-ليجيبه الاخر طب ايه الحل دلوقتى فى موضوع رحمة 

-والله يا جماعة انا الصبح كنت مكلم ابنى المهندس ساهر علشان يجى النهاردة وكنت ناوى افاتح رحمة انها تتجوز ابن عمها واهو اولى بيها وانتم عرفين ابنى مهندس وان شاء الله مسافر برة يعمل الدكتوراه واكيد هيخلي رحمة تكمل علامها وبكدة اكون نفذت وصية ابوها وابن عمها ميتخيرش عن ابنك يا عمدة نظر له العمدة فقد رمى الكرة فى ملعبه وفعلا ساهر رجل  الكل بيحلف بيه باخلاقة

-خلاص يا استاذ إسماعيل النصيب كده وفهمي مش نصيب رحمة وفعلا ابن عمها اولى بيها

-خلاص يا جماعة نقرا الفاتحة ولما يجى ساهر بعد المغرب اتكلم مع رحمة و ان خير ان شاء الله هبلغكم ونكتب علشان نرجع على مصر لان ساهر مسافر الاسبوع الجاي 

-على خيرت الله يا استاذ اسماعيل هننتظرك بكرة بعد صلاة الجمعة تبلغنا هتعمل ايه ويا زين ما اخترت لابنك فعلا رحمة جمال وادب و فيها كل اللى يتمناه اى شاب

ذهب الجميع وظل اسماعيل يفكر ماذا سيحدث وكيف سيقنع ابنه لكى يخرج من هذه الورطة ويحافظ على رحمة امانة ابن عمه ويحقق امنيته فهل سيوافق ساهر ويرفع راس ابيه ام سيرفض وسيظل إسماعيل قلق على مستقبل رحمة وهل رحمة نفسها ستوافق .


                    البارت الثاني من هنا 


تعليقات