البارت الواحد والعشرون 21
بقلم نورا عبدالعزيز
عادت "مريم" من الخارج لتفتح "حنان" لها فقبلتها "مريم" بحماس وسعادة تغمرها، قالت "حنان" ببسمة لطيفة:-
-شكلك أتوفقتي فى المقابلة
ضحكت "مريم" بسعادة وهى تسير للداخل وتقول:-
-يعنى معقول أترفض يا حنان وأنا الأولي على الدفعة ومعايا أمتياز مع الشرف
تبسمت "حنان" وهي تسير للداخل خلفها ثم قالت:-
-يعنى هشوفك على التليفزيون قريب، أبقي قوليلي هتطلعي الساعة كام لازم اتابعك ومبروك النجاح
تبسمت "مريم" لكن قبل أن تجيب عليها أوقفها صوت "ولاء" التى تقول بسخرية شديدة ونبرة تحمل الكره فى داخلها:-
-لا ومبروك كمان الجواز قدرتي توقعيه زى ما وقعتي أخوه
ألتفت "مريم" إلي تجاه الصوت وتلاشت بسمتها وهكذا "حنان" بغضب سافر من حديث هذه المرأة التى تقتل سعادتها دومًا ثم قالت:-
-أنا موقعتش حد، أنا حبيت جمال الحب اللى محدش قدر يحبهوله ولا حتى حضرتك
أقتربت "ولاء" منها بغضب سافر من تجرأ هذه الفتاة على الحديث إليها بهذه الجراءة وقالت:-
-لا مش بس رخيصة وكمان قليلة الأدب ما أنتِ لو كان عندك أم تربيكي مكنتش تتكلمي معايا كدة
تألمت "مريم" من حديثها الأليم وهى تذلها لأنها لا تملك أم لكنها لم تستطيع كبح ألمها من هذه السيدة التى تجنبتها كثيرة حتى لا تصنع المشاكل وقالت:-
-أيه المشكلة فأني معنديش أم ولو كانت الأم زي حضرتك فعدمها أحسن.
رفعت "ولاء" يدها كي تصفع "مريم" من الغيظ الذي تملكها لكنها صُدمت عندما مسكت "مريم" يدها تمنعها عن ضربها ونظرت إليها بغضب سافر ثم قالت:-
-أنا أنضربت كتير فى حياتي مش أول مرة لكن من يوم ما دخلت البيت ومحدش لمسني بسوء لأن فى ضهري راجل علمني عزة النفس وخلي ليا كرامة مستحيل أسمح لأى حد أنه يدوس عليها ولا حتى حضرتك..
دفعت يدها بعيدًا و"ولاء" فى صدمة ألجمتها وشلت عقلها عن التفكير وكيف تجرأت هذه الفتاة البريئة عليها، قبل أن يطلبها "جمال" للزواج كانت لا تصدر صوتًا لكن الآن ماذا حدث بها، أقتربت "حنان" بحرج رغم سعادتها من شخصيتها "مريم" ثم قالت:-
-تعالي يا مريم أطلعي أرتاحي
أبعدت "مريم" يدي "حنان" عنها ثم قالت بضيق شديد:-
-حضرتك قولتي أنى رخيصة وقليلة الأدب لكن نسيتي تقولي أني قوية لأن واحدة أستحملت كل اللى أستحملته ولسه عايشة وبتتنفس ومقتلتش حالها هى قوية فبعد أذنك مترهنيش على أذيتي كتير لأن اللى بتعمليه مش هكرهني ولا هيخليني أفكر أهرب من هنا لأني زى ما قولت لحضرتك أنا بحب جمال ومش هسيبه
صعدت للأعلي غاضبة وبدأت تبكي وتترك العنان لدموعها التى حبستها بداخلها من حديث هذه المرأة عن فقدها لوالدتها.
صفعها "نادر" بقوة على وجهها لتسقط "سارة" أرضًا من قوة صفعته وهو يقول بأنفعال:-
-محدش سرب موضوع جوازنا دا غيرك
وقفت بألم من صفعته وقالت بغضب سافر:-
-قولتلك مش أنا ومع ذلك كويس أنه حصل عشان يكشف ليا حقيقتك القذرة
مسكها من عنقها بقوة وهو يقول بأنفعال شديد:-
-فوقي يا سارة لتكون فاكرة أني مُغفل وكنت لعبة فى أيدك، لا يا بت دا أنا اللى عملتك لعبة فى أيدي لحد ما أخذ اللى عايزه منك، فوقي كدة يا سارة
دفعته بعيدًا عنها بصدمة ألجمتها وقالت بسخرية من عقله الغبي:-
-لا فوق وأظبط أنت كدة، أنت كنت فردة جزمة فى رجلي لحد ما تعمل اللى أنا عايزاه
قهقه ضاحكًا بقسوة ثم قال:-
-مش بقولك غبية
فتح درج المكتب وألقي بوجهها بعض الأوراق، نظرت "سارة" إليه بقلق ثم أنحنت للأسفل وأخذت الأوراق ناظرة بها فأتسعت عينيها على مصراعيها عندما رأت السجلات الطبية الخاصة بها فرفعت نظرها إلى "نادر" الذي قال بسخرية:-
-عرفتي أنك غبية، أنا عارف أنك عايزة تنتقم من جمال عشان اللى عملته ليلي فيكي زمان لكن لحد هنا وكفاية أنا أستكفيت منك .... أنتِ طالق
غادرت المكان بصدمة ألجمتها من هذا الرجل الذي أستغفلها وجعلها دمية حتى يصل لنقودها، صعدت بسيارتها والقت الأوراق على المقعد المجاور بصدمة ألجمتها وعقلها يعود للماضي حين أخبرت "مُختار" بحملها الثاني وكان حينها على علاقة بـ "ليلي" رفض هذا الحمل وبليلة أتصل بها وطلب رؤيتها وعندما ذهبت إلي شقتهما وعش الزوجية الخاص بهم صُدمت بوجود "ليلي" لتقول:-
-هي دى يا مختار
أومأ إليها بنعم وهو يشرب الخمر ببرود، سألت "سارة" بقلق:-
-هو في أيه؟
وقفت "ليلي" من مكانها وبدأت تدور حولها تتفحصها بنظرها ثم قالت:-
-مش بطالة يا مختار
قبل أن تحدثها "سارة" شعرت بشيء يوغز عنقها وعندما أستيقظت وجدت نفسها فى غرفة داخل عيادة و"ليلي" بجوارها تحدق بها لتشعل سيجارتها وقالت:-
-كان لازم تسمعي الكلام وتنزليه من سكات
تألمت "سارة" بتعب شديد لتتابع "ليلي" بعد أن نفثت دخانها فى وجه "سارة" ببرود شديد:-
-أديكي نزلتي غصب لا كمان أيه مش هتحملي تانية فى عمرك كله، أنا لو مكانك هتربي وأتقي ربنا وأقعد فى بيتي أربي أبني وأنا كرم مني هخلي مُختار ميطلقكش
ضربت "سارة" المقودة بيديها بغضب سافر تملكها بعد أن فقدت أمومتها للأبد على يد "ليلي" هذه الخائنة التى تركت زوجها وركضت خلف "مُختار" وسرقته من زوجته وابنه.
"قصــــر جمــــال المصــــــري"
أختارت "مريم" فستان زفافها وأرسلت صورته إلى "أصالة" حتى تطلبه من شركة الأزياء، عاد "جمال" من العمل وأخبرته "حنان" بشجار أمه مع "مريم"، بدل ملابسه وأرتدت بنطلون أبيض وتي شيرت أزرق ثم ترجل إلى الأسطبل كما أخبرته "حنان" عن مكان تواجدها، دخل ليراها تقف مع "إيلا" تحممها بلطف وبسمتها تنير وجهها ليقترب نحوها حتى وصل أمامها وقال:-
-مخلتيش حاتم يساعدك ليه؟
تبسمت "مريم" وهي تكمل ما تفعله:-
-أنا مبسوطة كدة
تنحنح "جمال" بحرج من ردها وهى تتحاشي النظر إليه وما زالت غاضبة من شجارها مع والدته فقال بهدوء:-
-طب هي اتخانقت معاكي ممكن أفهم أنتِ زعلانة مني ليه؟
توقفت عما تفعله ونظرت إليه بصدمة مما سمعته وكيف عرف لتتذمر على أخبار "حنان" له وقالت:-
-حنان اللى قالتلك صح؟
ألتف حول "إيلا" بهدوء شديد حتى وصل أمامها وأخذ منها خرطوم المياه يساعدها فيما تفعله وقال:-
-قالتلي أنك أتقبلتي فى البرنامج
نظرت إليه بسعادة كأنها تذكرت للتو أنها أصبحت إعلامية رسمي وقريبًا ستبدأ عملها لأول مرة فقالت:-
-اه، أصلًا أنا مستحيل أترفض
تبسم بلطف إليها ثم قال:-
-من امتى بقيتي مغرورة كدة، الغرور مش لايق عليكي يا مريم
قهقهت ضاحكة ليقول بجدية:-
-جهزتي حاجاتك للفرح
ألتفت إليه بتذمر شديد ثم قالت:-
-أنا فاكرة اني قولتلك بعد نجاحي نعمل خطوبة لكن أنتِ فجأة قررت أنه فرح
نظر إليها وترك خرطوم المياه من يده وقال بجدية:-
-الخطوبة للتعارف بما أننا مش محتاجين دا مالهش لازمة وبعدين العمر بيعدي أعملك الخطوبة سنة ولا أتنين وتيجي تقوليلي سورى مش هتجوز أربعيني
ضحكت بعفوية على كلماته سابقًا ونظرت إليه بغرور مُصطنع ووضعت يديها فى خصرها ثم قالت ببراءة:-
-لا خلاص هتجوزك وأكسب فيك ثواب
رفع حاجبه إليها لتتابع بجدية:-
-بهزر أصلًا الفستان جهز ومش ناقص حاجة
أومأ إليها بنعم ليقول ويديه تربت على عنق "إيلا":-
-يبقي أخر الأسبوع نعمل الفرح، هخلي شريف يرتب جدولي
أومأت إليه بنعم ليتركها تكمل ما تفعله ثم ذهب للداخل وتقابل مع والدته "ولاء" التى على وشك الخروج لكنه استوقفها قائلًا:-
-أمي؟
أستدارت "ولاء" إليه بضيق شديد ثم قالت بسخرية:-
-ايه لحقت تشتكيلك السنيوريتا ، ويا تري هتعاقبني أزاى لأجل عيونها هتحرمني من الفيزا كارت ولا هتأمر رجلك يدفنوني حية أو أقولك أطردني من بيتي وأقطع ليا تذكرة على أول رحلة للندن
تأفف بأختناق شديد وسار نحو والدته ثم قال:-
-لا لكن رجاءًا زى ما أنا محترم قراراتك ووجودك هنا أحترمي وجودي وقراري، جوازي من مريم كافي أنه يثبت لك وللعالم كله أنها إنسانة كويسة لأني جمال المصري مش مختار، لا عمري دخلت كباريه ولا صاحبت واحدة
تأففت بضيق شديد ثم قالت:-
-بس كفاية أنك تتجوز أرملة أخوك، أنت مُتأكد أنك عايزها بجد مش عايز تتجوزها عشان تبقي خدت مراته زى ما هو خد مراتك
أغلق قبضته بغضب سافر من كلماتها محاولًا التحكم فى غضبه أمام والدته قبل أن يلتهمها غضبه، لا يعلم كيف يعاقبها على هذه الكلمات وهى تعيده للماضي بهذه الكلمات الحادة التى شقت صدره لنصفين وقال:-
-أحمدي ربنا أنك أمي لأن لو حد تاني مكنتش فوت له الكلام دا
دلف إلي غرفة المكتب بغضب يتمكن منه، ظلها بها حتى رن هاتفه باسم "عاشور" يقول:-
-وصلت لبيت ياسين؟
أومأ "جمال" بنعم وصعد ليبدل ملابسه بهدوء وأنطلق للخارج.
خرج "ياسين" من العمارة التى يسكن بها وظهر أمامه "عاشور" ورجل أخر وقال بجدية:-
-ممكن تيجي معانا ؟
نظر "ياسين" له بأندهاش وهو لا يعرف من هذا ولما يريده لكنه ذهب معه فأخذه إلي مطعم وكان "جمال" جالسًا هناك وحده والمطعم فارغ تمامًا ليقول:-
-أقعد
تطلع "ياسين" به بخوف من نظراته وهيبته وأزدرد لعابه فى صمت وجلس أمامه ليقول:-
-مُختار فين؟
أندهش "ياسين" من سؤاله وقال:-
-مريم اللى قالتلك
أرتشف "جمال" قهوته ببرود مُحاولًا كبح غضبه ثم قال بنبرة باردة:-
-أنا مبحبش أكرر كلمتي مرتين
تنحنح "ياسين" بصمت شديد لا يعلم كيف يتخلص من هذا الرجل المُخيف ويهرب من أمامه، أشار "جمال" إلى "عاشور" ليقترب ويضع التابلت على الطاولة وإشار بعينيه إلى التابلت بمعنى ان ينظر، أخذه "ياسين" بخوف وصُدم عندما رأى "حمزة" مُقيدًا ومشوه بشكل مُرعب ليرتعب ذعرًا وألقي بالتابلت بخوف أحتله من أن يُفعل "جمال" به المثل وقال:-
-فى المزرعة، دفناه هناك لكن والله العظيم ما قتلته حمزة هو اللى قتله أنا لما روحت كان جثة
تبسم "جمال" بعد أن وقف من مكانه وأغلق زر بدلته بغرور مُبتسم بسمة ماكرة وقال:-
-هاته يا عاشور
أنطلق "صادق" بسيارته إلى المزرعة وفى السيارة الأخرى كان رجاله يجلسون مع "ياسين" وجميعهم فى طريقهم إلى المزرعة حيث جثة أخاه الذي بحث عنها مُطولًا.
وصلت "سارة" إلى شقتها بغضب أصابها ودلفت لترى "حازم" جالسًا هناك معه لتبتلع لعابها بصدمة الجمتها وقالت:-
-أنت.
وصل الطبيب إلى المخزن مرة اخرى وفحص جروح "حمزة" الذي فقد كل طاقته وقوته ثم أعطي نتيجة التحليل إلى "حسام" وقال:-
-عنده كانسر
أتسعت عيني "حسام" بصدمة ألجمته ونظر إلى "حمزة" ليخبره الطبيب بأنه فى حالة متأخرة من المرض وحتى الجرحة لن تساعده وربما لا يخرج منها سالمًا أو حيًا وسبب تعاطيه للمخدرات هو أخذها لتخديره حتى لا يشعر بالألم، عاد "حسام" للقصر بحيرة من هذا الأمر ليقول:-
-جمال بيه موجود
أجابته "نانسي" بجدية قائلة:-
-لا، خرج
نظر للتحاليل بحيرة من أمره وكاد أن يذهب لكن استوقفه صوت "مريم" التى قالت:-
-حسام
أستدار "حسام" إليها بجدية مُلبيًا طلبها فنظرت للأوراق بقلق وقالت:-
-عايز جمال فى أيه؟
تردد كثيرًا فى إخبارها أم لا وهى ابنة هذا الرجل الذي يصارع الموت لطالما أبكت فى سيارتها أمامه من قسوة "حمزة" وكرهته لتعاطيه المخدرات التى تفقده عقله ويبرحها ضربًا لكن الآن يملك سببًا لمعرفة ذلك، رأته ينظر إلى التحاليل مُطولًا بحيرة لتأخذها منه فهرع خلفها بخوف من "جمال" وقال:-
- لحظة.....
فتحت التحاليل وألقت نظرة عليها لتدمع عينيها بصدمة ألجمتها مما تقرأه وجهشت باكية وهى تقول:-
-جمال عنده كانسر
هز رأسه بالنفي بعد أن جلس يجمع الأوراق التى سقطت منها وقال:-
-لا، لا ، لا مش جمال بيه نهائيًا الله يدي طول العمر دا واحد غلبان أحتاج مساعدة وهو وصاني أعمله التحاليل
حدقت بعينيه وهى تعلم بأنه يكذب عليها فأخذ الأوراق من يدها وهرب من أمامها.
وصل "جمال" للمزرعة وأندهش عندما استقبله العامل بتوتر وأرتبك شديد من ظهوره فجأة ليقول:-
-خدوه البلوة دا لقحوه فى أى داهية
مسكه رجل والبقية ساروا إلي المكان الذي أرشدهم إليه "ياسين" وبدأوا بالحفر بعد أن جلس "جمال" على المقعد واضعًا قدم على الأخري حتى ينتهوا من الحفر ويظهر هذا الهيكل العظامي المُتحلل من جثة أخاه، وقف من مكانه بعد أن رأى السجادة وفتحها "عاشور" بجدية ليُصدم عندما وجدها فارغة لا أثر للجثة ولم يبقي عظمة واحدة بداخلها، ذعر "جمال" مما يراه ونظر إلى "ياسين" الذي تحجر مكانه كالصنم وقال بطريقة هستيرية بعد أن أصابه الخوف وقال:-
-مستحيل، إحنا دفناه هنا والله، كنا لفيونه فى السجادة عشان نعرف نشيل... والله كان هنا
مسكه "جمال" من لياقته بغضب سافر بعد أن جاء كل هذه المسافة وشعر بأن هذا الرجل يسخر منه وقال:-
-أنت قد دا؟
صرخ "ياسين" بصدمة ألجمته هو الأخر من هذا القبر الفارغ وقال:-
-والله دفناه هنا هكدب عليك ليك، ما السجادة أهي وعليها دمه
تأفف "جمال" بغضب سافر ثم تركه بأغتياظ لا يعلم ماذا يفعل؟ هل يصدق هذا الرجل؟ أم "حمزة" تلاعب بالجثة، ألتف لكي يغادر المكان وأنطلق إلى حيث "حمزة" ومعه "ياسين" ليرى "حمزة" فاقدًا للوعي وأخبره "حسام" بمرضه وقال:-
-أعتقد لازم نوديه مستشفي
تأفف "جمال" وهو يشعر بأن كل شيء يسير عكسه، أقترب "عاشور" منه بهدوء وقال:-
-لازم يروح المستشفى لو مات هنا هيجيبلنا مصيبة وحضرتك مش هتوصل لحاجة منه
أومأ "جمال" له بنعم وأخذه "عاشور" للمستشفى وأخبره الطبيب أنه فى حالة حرجة وقد دخل فى غيبوبة ويحتاج الأن لعملية زرع النخاع مما صدم "عاشور" كليًا فهل يطلب هذا الطبيب أن تقدم "مريم" المساعدة له بعد كل ما ألحقه بها فوحدها من تستطيع التبرع لوالدها، عاد للقصر ولا يعلم كيف يخبر "جمال" بهذا الأمر وظل صامتًا طويلًا لا يتفوه بكلمة ولم يسأل "جمال" عما حدث بداخل المستشفى بسبب أفكاره الشاردة فى أختفاء الجثة، ترجل من سيارته لكن أستوقفه "حسام" يقول:-
-جمال بيه
نظر "جمال" إليه فأخبره بما حدث قبل أن يعود ليستعد إلى مواجهة "مريم" التى تكاد تكون على وشك الموت من الأنتظار ولم تنم حتى بعد أن أشرقت الشمس، أومأ إليه بنعم ثم دخل فى هدوء واغلق الباب وأستدار ليُصدم بعد أن أرتطم جسدها به بقوة تعانقه، يشعر بقلقها وخوفها فى نفضة جسدها، أبتعدت عنه تتفحصه من الرأس لأخمص القدم وقالت:-
-أنت كويس؟
أومأ إليها بنعم وقال:-
-اه كويس متقلقيش
نظرت له بقلق ليقول بجدية بينما يدخل للداخل ويأخذ يدها فى راحة يده:-
-كويس والله، أجبلك التحاليل بتاعت الشهر دا بتاعتي، اللى شوفتيها مع حسام مش ليا
جلس على الأريكة وهى بجواره، رفع يده يلمس وجنتها بأنامله مُشتاق إليها فنظرت إلى عينيه التى تحدق بها وقالت:-
-أنت كويس؟
أومأ إليها بنعم فى صمت وقال بنبرة دافئة وعينيه لا تشبع من النظر إليها وقلبه المُرتبك دومًا أمامها:-
-وحشتينى
أتسعت عينيها على مصراعيها من هذه الكلمة التى سمعتها من بين شفتيه ووضعت يديها على وجنتيها وقرصتهم بقوة لتتألم وكأنها لا تصدق ما تفوه به ليقول:-
-براحة يا مريم أنتِ مجنونة بتقرصي نفسك
مسكت وجهه بيديها الأثنين من الصدمة التى لحقت بها وقالت:-
-أنا صاحية مبحلمش، لكن أنت جمال بجد !!
تنحنح بحرج من أفعالها التى تحرجه أكثر ثم وضع رأسه على كتفها يستكين بحضنها كطفلها الصغير من يومه المشحوم بالصدمات المتتالية فقال بصوت خافت يكتم فى حضنها:-
-أنا هو! أول مرة أحس أنى عجزت يا مريم وكبرت
رفعت يدها الأخري تربت على كتفه بلطف وتغلغل أصابعها بين خصلات شعره ثم قالت:-
-مستحيل أنت لسه شباب يا جمال، يمكن بس محتاج ترتاح شوية من الجري وراء الحياة والشغل
أبتعد عنها بحيرة من كلماتها التى أيقظت عقله ليفكر من جديد وتطلع بوجهها بحب يسكنه ثم قال:-
-أرتاح!!
أومأت إليه ببسمة عفوية تنير وجهها وتقتل ظلمة أيامه وعتمة عقله ليحدق بهذه البسمة الناعمة السحرية التى تبدل حاله وتنتشله من عتمته وقال بنبرة دافئة هائمًا بهذه الفتاة:-
-أنا مش هرتاح غير لو خدتك وهربت من العالم دا كله، أهرب بعيد... تيجي معاه؟
تبسمت وهى تلمس يده بلطف وتضمها بحب شديد ثم قالت:-
-معقول أرفض، أنا مستعدة أسيب كل حاجة والدنيا كلها وأهرب معاك لأخر العالم
تبسم بعفوية إلى هذه الفتاة ومدد جسده على الأريكة بأستسلام لتعبه وبقاءه خارج المنزل طيلة الليل حتى أشرقت الشمس ووضع رأسه على قدمها ليغمض عينيه ويغوص فى نومه وهى تمسح على شعره بحنان وقلبها يشعر الآن بالأمان وقد توقف عن قلقه لرؤيته أمامها وتحت نظرها.
صعدت "أصالة" للأعلي بصحبة "نانسي" ولأول مرة يسمح "جمال" بصعود الغرباء للأعلي فقط من أجلها اليوم سمح بكسر قواعده، دخلت للغرفة ورأت "مريم" تقف فى منتصف الغرفة والفتاة تقف خلفها تغلق لها رباط فستانها الأبيض بعد أن أنهت وضع مساحيق التجميل وصففت شعرها جيدًا وعلى رأسها وضعت التاج المرصع بالألماظ، تبسمت "أصالة" على جمال هذه الفتاة التى أصبحت عروس لأول مرة رغم أنه زواجها الثاني، لكنها سعيدة بهذا الفستان الأبيض كأنها طير حلق للتو فى السماء، كان فستانها مصنوع من الحرير ورقيق جدًا غير كل فساتين الزفاف المُرصعة باللولو ويحيط بخصرها بوسع بسيط للأسفل وترتدي كعب عالي أبيض اللون، تبسمت "مريم" بسعادة تغمرها وقالت:-
-شكلي حلو
أومأت إليها بنعم بسعادة تغمرها وبعد أن أنتهت من التجهيزات ترجلت للأسفل معهم لتراه يقف أمام السلم ينتظرها مُرتدي بدلة ببنطلون أسود وسترة بيضاء يصفف شعره للأعلي وحول عنقه رابطته وبجواره "شريف" الذي نظر للأعلي حيث "مريم" بطلتها الجميلة فنظر "جمال" إليها وأتسعت عينيه إعجابًا بها كم جميلة هذه الحورية بالأبيض وتاجها الذي يزين شعرها المسدول مموج على ظهرها، أقترب من السلم حتى وصلت إليه فمد يده إليها ببسمة وتبسمت "مريم" إليه بسعادة تغمرها وهى لا تصدق بأنها بعد قليل ستصبح زوجة لهذا الرجل الذي أنتظرته لسنوات طويلة، متحجر القلب الآن سيصبح ملك لها وستكون زوجته وحبيبته وحده حتى لا يطمع بها أحد غيره، ستنقل خاتمها من اليمين لليسار، قبل "جمال" جبينها بحنان ثم نظر إليها وقال بهمس:-
-حذرتك تحطي قلم روج فى وشك لكني سأتغاطي عنه النهار دا بس
تبسمت بعفوية عليه وقالت:-
-شكرًا على المرة دى بس، بس من حقي أدلع أنا عروسة
وضع يدها فى ذراعه وسار معها نحو المأذون الذي ينتظرهما من فترة بسبب تأخيرها وقال:-
-اتاخرتي كتير والشيخ زهق
ضحكت بعفوية ثم قالت:-
-عروسة ومن حقي أدلع
ضحك على كلماتها التى ترددها من الأمس تقريبًا كلما طلب منها أحد شيء، جلس مقابلها أمام المأذون ووضع يده فى يدها وعينيه تحدق بوجهها وعينيها ولا يتحمل ضربات قلبه التى على وشك الأنفجار من السعادة وبسمتها لا تفارق وجهها فتبسم لأأجلها وعينيه تعشق هذه السعادة التى تحتلها على عكس "ولاء" الغاضبة من هذا الزواج وما زالت لا تقبل بـ "مريم"، تبسمت "جميلة" وهى تجلس بجوار "مريم" والفرحة تغمرها من جمع هذا الثنائي أخيرًا وهكذا "حنان" التى وقفت تراقب الأمر من بعيد بسعادة مع "شريف" ولا تصدق أنه يتزوج الفتاة التى طردها فور وصولها وحبسها فى القصر ليجعله زنزانتها، دمعت عينيها بسعادة وهى تسمع المأذون يقول:-
-قول ورايا يا ابني، أني أستخرت الله العظيم وتوكلت عليه..
ردد "جمال" كلمته وهو يحدق بهذه الفتاة ولا يرفع نظره عنها نهائيًا ودقات قلبه تهزم للتو ولا يقوي على إيقافها فتابع المأذون قوله:-
-واسألك زواجى من ......
قاطعه صوت رجولي يعرفه الجميع جيدًا يقول:-
-مريم حمزة العاصي
ألتف الجميع على صوته ووقفت "مريم" بصدمة ألجمتها تمامًا كالجميع من رؤيته يقف أمامه ويتنفس كالميت الذي خرج من تابوته للتو، والجثة التى بحث عنها لسنوات جاءته الأن تسير على أقدامها.... حدق "جمال" بوجه "مختار" الذي يقف أمامه حي يُرزق ومعه "سارة"، أرتجفت "مريم" فزعًا وهكذا جميع الحاضرين لتبتسم "ولاء" رغم صدمتها فظهور هذا الرجل سيمنع هذا الزواج دون جهدًا منها لأن هذه العروسة زوجة له فكيف لها بأن تتزوج من أخاه بل هذا الحب القائم بينهم سيهدم للتو وإلا سيكون معصية .