البارت السادس والثلاثون 36
بقلم نورا عبدالعزيز
لحسن حظ "مريم" كان هذا الطبيب موجودًا بالقصر حينها وتخصصه هو النسا والتوليد، فحصها جيدًا حتى وصلت سيارة الإسعاف بمعداتها الطبية وأكمل معالجتها فى الطريق، كانت ترتجف وتنتفض من الألم وتتشبث بيد "جمال" وهو يغلق قبضتيه الأثنين على يدها بأستماتة خوفًا من أى شيء قد يُصيبها، وصلوا للمستشفي ليفرقهم الاطباء ويأخذون "مريم" منه نهائيًا، ظل مجنونًا من القلق لكنه يكبح هذا الجنون مُحاولًا التماسك من أجل زوجته وطفله، جاءت "ولاء" له وقالت بهدوء:-
-إن شاء الله خير يا جمال ومتشوفتش حاجة وحشة فى ابنك
صرخ بغضب شديد وقلق يحتل عقله على زوجته التى كانت تتلوي وجعًا بين ذراعيه:-
-وأن شوفت دا قدر ربنا لكن المهم مريم يا أمى .. مريم
خرج الطبيب من غرفة الفحص فأسرع "جمال" إليه بقلق شديد وقال:-
-طمني يا دكتور مريم عاملة أيه؟
تنحنح الطبيب بقلق قبل أن يتحدث ثم قال بهدوء:-
-للأسف مدام مريم أتعرضت لتسمم أو بالمعنى الأدق والأصح أن حد حاول يقضي على الطفل
أتسعت عيني "جمال" على مصراعيها بصدمة الجمته وقال بتلعثم:-
-لا مستحيل!! أنت متأكد
أومأ الطبيب له بنعم ثم قال بثقة من خبرته:-
-إحنا لاقينا فى دمها مادة للإجهاض وأكيد هى مش هتعوز تجهض فى الشهر الثالث بعد ما الجنين اتكون فى رحمها، بس الحمد لله أطمن لحسن حظها أني كنت موجود وعرفت الأعراض بسرعة والإسعافات الأولية اللى عملتها ساعدتها كثير ودلوقت هى والطفل بخير، إحنا هنخلص وممكن بعدها تدخل تطمن عليها أنا قولت أطمنك بس
عاد الطبيب للغرفة حتى يكمل فحصها ومعالجتها، أغمض "جمال" عينيه بغضب سافر مما سمعه للتو ثم قال بتمتمة:-
-ليلي!! مفيش غيرها.. عاااااااشور
أقترب "عاشور" منه بسرعة بعد ما سمع ما حدث للتو وقال:-
-أمرك
-خليهم يرجعوها، ليلي متطلعش على الطيارة لازم أرد لها الدين
قالها "جمال" بمكر وغضب سافر منها، من قبل قدمت له الخيانة وعفى عنها لكن اليوم تجرأت على "مريم" حبيبته وطفله لذا سيقتلها حتمًا اليوم دون تردد، أنطلق "عاشور" يلبي طلبه بينما نظر "جمال" إلى "حسام" وقال بهدوء:-
-حسام، خد الهانم وجميلة روحهم
تحدثت "ولاء" بغضب شديد قائلة:-
-لا أنا مش هروح، أنا قاعدة معاك هنا
لم يقوي على الدخول فى جدال معها وعينيه تنظر إلى راحة يديها المُلوثة بدمها بعد أن حملها غارقة فى دمائها وتتألم، ذهبت "جميلة" بأمر أخاها مع "حسام" للخارج، فتح لها باب السيارة الخلفي فصعدت به بحزن شديد دون أن تجادله كعادتها أو تشاجره، أنطلق بها للقصر وطيلة الطريق كان ينظر إليها فى المرآة تارة وإلى الطريق تارة، كانت شاردة وحزينة حتى دموعها تتلألأ فى عينيها لكنها تكبحها جيدًا، مُتكئة بجسدها ورأسها على مقعدها من الخلف وتنظر فى الشارع رغم أنه يكاد يجزم بأنها لن تعرف ماذا ترى الآن؟، تنحنح "حسام" بخفة وقال بهدوء:-
-إن شاء الله تكون مدام مريم بخير
نظرت للمرآة عليه فى صمت ثم قالت بخفة:-
-إن شاء الله شكرًا
قالتها بحرج والجميع لا يهتموا إلا لـ "مريم" لكن هى وألمها لا يعرف أحد عنهما شيء، رن هاتفه برقم طليقته كثيرًا ولكنه لم يجيب فقالت "جميلة" بضيق:-
-رد
نظر للمرآة عليها ثم أجابه على الهاتف، ظلت تفكر كيف تخبرهم بأنها لم تجد القبول فى هذا الشخص بل حتى فى حديثه وشخصيته النرجسية يقدس نفسه تمامًا، أشعرها بأنها سلعة ستكمل مثاليته الأجتماعية لتدمع عينيها بخوف من والدتها وعليها من الرفض، فاقت من شرودها وألمها على صراخ "حسام" يقول:-
-أنتِ فين يعنى؟..... خلاص أنا جايلك متتحركيش من مكانك
نظر إلى "جميلة" بحرج بعد ان أغلق الخط ثم قال:-
-أسف، لكن ممكن أروح المستشفي.. بنتى تعبانة
أومأت إليه بنعم ليغير طريق سيارته وأتجه إلى مستشفى فى المعادي، ترجل من السيارة وركض للداخل بذعر وقلق يجتاحه على ابنته، لم يعري أنتباه إلى "جميلة" التى تسير خلفه حتى وصل إلى سرير ابنته فى قسم الطؤاري وكانت مريضة بالحمي جدًا ودرجة حرارتها 41 وعلى وشك الموت، وضعوها بحوض مليء بالثلج ليصرخ "حسام" فى طليقته بانفعال قائلًا:-
-أنتِ السبب قولتلك لو مش هتقدري ترعيها أديهالي
كزت المرأة على أسنانها بضيق شديد ثم قالت:-
-ولما أديهالك هترعيها أزاى هتأخدها الشغل ولا هتقعد من الشغل وتشتغل بيبي سيتر
كاد أن يفقد عقله أمامها من برودها وأستفزازها ورفع يده أمام وجهها وقبل أن يلطمها أوقفه صوت "جميلة" تناديه بحدة قائلة:-
-حســـــــاااااام
توقف قبل أن يفعل لتنتبه هذه المرأة إلى "جميلة" التى لفظت اسمه وتقدمت إليهما، أنزلت "جميلة" يده للأسفل بهدوء وقالت:-
-إحنا فى مستشفي، أحترم المكان اللى إحنا فيه
ألتف "حسام" بغيظ شديد من هذه المرأة ورؤيتها تفقده عقله، ضحكت طليقته بسخرية وعينيها ترمق "جميلة" من الرأس لأخمص القدم وقالت بسخرية:-
-لاحقت بالسرعة دى تلف على واحدة ولا أنت من الأساس كنت بتخوني منها وبتتلكك فى الشغل، وببجاحتك جايبلي عيشقتك هنا، أحب أقولك أنه هيضحك عليكي بكلمتين ويرسم عليكي الحب وأول ما يملكك هيرميكي زى الكرسي فى شقته
أستدار "حسام" إليها وقبل أن يقتلها للتو وقفت "جميلة" أمامه بقوة وتحدق فى وجه المرأة الغليظة هذه وهى تشبه كثيرًا هذا الرجل الذي تركه من قليل وتحمل فى وجهها نفس طاقته السلبية والنرجسية ثم قالت ببسمة مُستفزة:-
-أكون زى الكرسي معاه أحسن ما اكون ملكة من غيره
أتسعت عيني "حسام" على مصراعيها من جوابه وتبسم بلطف على جراءة هذه الفتاة التى لا تقبل بالهزيمة نهائيًا، تحولت ألوان طليقته من الغيظ بسبب ما تسمع و"جميلة" تفوقها جراءة وجمال حقًا فقالت بضيق:-
-بكرة تندمي لما قلبك يتكسر من الوحدة
-أنا وحدتي معاه أحسن من جنتي فى بعده
قالتها "جميلة" بطريقة مُثيرة تثير أستفزاز هذه المرأة أنتقامًا لما قالته عليها للتو ونعتها بعشيقته وجعلتها خائنة وخطفت زوجها منها، تنحنح "حسام" بلطف من خلفها لتبتسم "جميلة" بعفوية وأستدارت إليه بخفة ثم قالت:-
-تعال يا حسام نستني الدكتور فى مكان تاني لأحسن الهواء هنا مكتوم وطابق على نفسي
أخذته من يده بالقوة وخرجا معًا، أبتعدت عنه ببرود فور خروجهما وقالت بضيق:-
-سورى لكن أنا متعودتش حد يغلط فيا ومردش القلم وقتي
ظل صامتًا لم يُعقب على حديثها وهى تتحاشي النظر له بحرج من كلماتها التى قالتها دون قصد وتتغزل به.
قاد السائق السيارة فى طريقها للمطار بـ "ليلي" لكن قاطع طريقه سيارات فان سوداء، ترجل منها الكثير من الرجال كأنهم فى حرب أمام سيارة رجال "جمال" وبدأوا فى معركة قوية هجومية والعدد الذي يفوق رجال "جمال" نجح فى هزيمتهم وأخذوه "ليلي" بالقوة من السيارة وبعد أنطلقهم تبسم "تامر" الذي يراقب من بعيد وقال فى الهاتف الذي وضعه على أذنه:-
-كله تمام يا ريس ليلي بقيت معانا.
وصل الخبر لـ "عاشور" بعد أن نقل رجاله بأصابتهم للمستشفي فصرخ بهم بغضب سافر:-
-أنتوا رجالة أنتوا
تحدث أحدهم بتعب شديد قائلًا:-
-يا ريس عاشور دول خدونا غدر وكانوا فوق الست عربيات محملين رجالة كأنهم داخلين حرب، دى مقصودة واللى عملها عارف إحنا مين عشان كدة جاب العدد دا كله عشان ميبقاش فى مجال أننا نهزمهم
تأفف "عاشور" بضيق شديد ثم قال بغيظ من فقده لها وفشله الذي لحق به بسبب رجاله:-
-دا اللى فالح فيه أنت وهو، أبقوا فكروني أخلي جمال بيه يضحي بيكم فى العيد كتكم القرف
غادر المستشفي غاضبًا لا يعلم كيف يخبر "جمال" بهذا الخبر وخصيصًا بعد ما فعلته "ليلي"، سيقتله "جمال" مقابل غضبه الذي يحرقه للتو على زوجته وينتقم منه هو.
دخل "جمال" إلى غرفة "مريم" بقلق بعد أن سمح الطبيب له برؤيتها، رأها نائمة على الفراش وفى يدها المحلول الطبي المالح وترتدي ملابس المستشفي، جلس جوارها ومسح على رأسها بلطف، فتحت "مريم" عينيها بتعب بعد أن شعرت به وتبسمت إليه رغم تعبها الشديد وقالت بلطف:-
-جمال
تبسم إليه بعفوية وأخذ يدها فى راحة يده وقال:-
-عيونى وقلبي وروحي يا مريم
قبل يدها بأريحية بعد أن تحدثت معه وأطمن قلبه على سلامتها وتوقف عن القلق من أجلها ثم رفع رأسه إليه وقال بخفة هامسًا إليها:-
-ألف سلامة عليكي يا حبيبة قلبي، إن شاء الله .
قاطعته "مريم" بهدوء وعينيها تعانقه عوضًا عن ذراعيها المُنهكة من التعب تقول:-
-متكملش يا جمال، ربنا ما يورينى فيك حاجة وحشة أبدًا يا حبيبي.. ومتخافش عليا أنا قوية وبستحمل وألا كان زماني مُت من أول ضربة من حمزة
وقف من مكانه بذعر من كلمتها ليقبل جبينها بدفء وقال ناظرًا إلي عينها:-
-ألف بعد الشر عليكي يا مريم، أنا ماليش غيرك
أومأت إليه بلطف وبسمتها تنير وجهها الشاحب وتمتص كل غضبه وقلقه من أجلها، قالت بدفء:-
-ولا أنا ليا غيرك يا حبيبي
دق باب الغرفة لتدخل "ولاء" بعد أن أستقام فى وقفته، حدقت بـ "مريم" بتوتر رغم غضبها من هذه الفتاة لكنها أشفقت حقًا عليها من كم المصائب التى تقع عليها وقالت بهدوء:-
-حمد الله على السلامة
تبسمت "مريم" إليه برحب ثم قالت بنبرة خافتة:-
-الله يسلم حضرتك
جلست "ولاء" على الأريكة بهدوء ثم قالت:-
-أنا موجودة معاكي لو أحتجتي حاجة أطلبها مسموح لك بيوم واحد ودا عشان خاطر ابنى وحفيدي
تبسمت "مريم" إليها بلطف وقالت:-
-دا كرم من حضرتك، شكرًا
غادر "جمال" الغرفة بعد أن رن هاتفه وكان "عاشور" ينتظره أمام الغرفة ليخبره بما حدث فأتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة ألجمته، لا يُصدق نهائيًا أن هناك من يسعى خلف "ليلي"، هذه المرأة لم تأذي أحدًا من قبل سواه بخيانته مع "مختار" وكاد أن يفقد عقله فهل فعلت هذا من تلقاء نفسها حتى تهرب من سيطرته .
فتحت "ليلي" عينيها المعصومتين مُنذ أن خُطفت لتُصدم عندما رأت "سارة" أمامها تجلس على مقعد من الجلد الأسود وتضع قدم على الأخري مُرتدية تنورة بيضاء قصيرة تصل لأعلي فخذيها وبلوزة من الدانتيل بطبقات كثيرة بقط ومفتوحة من الصدر وتصفف شعرها خلف مؤخرة رأسها بدبابيس الشعر وترتدي كعب عالي أحمر اللون وتضع مساحيق التجميل..
أبتلعت "ليلي" لعابها بقلق من "سارة" ورؤيتها ثم قالت:-
-أنتِ
تبسمت "سارة" بعد أن وقفت من مكانها وسارت نحوها بخطوات ثابتة وتحمل فى يدها كأس من الخمر ذات اللون الأحمر وتُديرها بمهارة ثم قالت بهدوء شديد مُخيف:-
-كويس أنك فاكراني، أنا كنت خايفة متعرفنيش أو تنكري دا
تنحنحت "ليلي" بخوف لكنها تصطنع الجراءة أمام هذه المرأة ثم قالت:-
-أحم! وعايزة منى أيه؟ لتكوني جايبني هنا عشان تنتقمي مني لأنه حبني أنا وأنتِ كنت مجرد وسيلة نسيان
قهقهت "سارة" ضاحكة على هذه المرأة الساذجة ثم قالت بغرور:-
-وسيلة نسيان... تفتكري كل اللى بيني وبينك مجرد مشاعر تافهة فى واحد زبالة زى مختار
مسكت "سارة" شعرها بقوة لتصرخ "ليلي" من الألم بينما وضعت "سارة" يدها على رحم "ليلي" وقالت بنبرة مُخيفة وعيني يتطاير من الشر:-
-أنا بينى وبينك دا، اللى سرقتي مني. فاكرة عاملتيها أزاى
أرتعبت "ليلي" بذعر من "سارة" ونظرات الشر تتطاير منها، أبتلعت لعابها بخوف ثم قالت:-
-ولما تأخديه هتكوني أم، أنتِ مستحيل تكوني أم تاني .. أنتِ السبب فى اللى حصلك
دفعتها "سارة" بقوة ثم قالت بسخرية مما ستفعله بها:-
-وأنتِ كمان السبب فى اللى هيحصلك
سكبت كأس الخمر على ملابس "ليلي" ببطيء شديد ترعبها أكثر مع بطئها وتتحدث بنبرة مُرعبة حادة:-
-أنا هخليكي تتمني الموت ومش هتحصل عليه... عارفة أنك كنت هخدرك بالكأس دا وأهو كفاية الصدمة اللى هتعيش فيها لما تفوقي زى ما عملتي معايا بس بعد ما شوفتك جالي فكرة أحلى... أنتِ لازم تعيشي الوجع كله وصوت صرختك عجبني ممكن يطفي نارى
سكبت الكأس كاملًا و"ليلي" ترتجف ذعرًا لتقترب "سارة" منها ومزقت بلوزتها بقوة لتسقط الأزرار أرضًا وتظهر ملابسها الداخلية وقالت:-
-وجبة هنية يا ولاد
غادرت الغرفة وبدأت "ليلي" تصرخ بألم بعد أن تركتها لهؤلاء الوحوش ينتهكوها بقسوة وألم، تبسمت "سارة" بحماس وسعادة مع سماعها لصراخ "ليلي" الذي يعبأ المكان ويملؤه بأستغاثة تتمني أن ينجدها أحدًا من هؤلاء الوحوش، صعدت "سارة" للأعلي ووجدت "نادر" فى أنتظارها بعد أن أحضر لها "ليلي" كما طلبت فقال بحماس:-
-الشيكات
فتح يده إليها كي تعطيه الإيصالات ويتخلص من سيطرتها وأبتزازها له، لكنه صُدم عندما هرعت إليه تنهل عليه بقبلاتها من سعادتها بسبب تحقيق هدفها وأنتقامها من هؤلاء كل من تجرأ على أذيتها تحملت لسنوات حتى أصبحت بهذه القوة لتنتقم وتتمكن من الوقوف أمامهم، لولا مالها وسيطرتها ما كانت جعلت "نادر" تحت أمرها ورحمتها ليساعدها رغمًا عنه فى أنتقامها، لم يقاومها بل بادلها القبلات وبدأ فى نزع ملابسها بيديه كالمجنون بها، مُدمنًا وحصل للتو على جرعته من السُكر والمخدرات، صوت صراخ "ليلي" لم يتوقف للحظة وكلما سمعته "سارة" كلما أرتفع الأدرينالين بها أكثر من السعادة وزادت من لحظتها الحميمية معه.
عاد "حسام" للقصر صباحًا بها بعد قضاء الليل فى المستشفي حتى أطمن على ابنته الصغيرة، أستعدت "جميلة" للسفر فى رحلة عمل ربما يهدأ عقلها عن التفكير ويخفف الطيران من قيود عقلها وضغطها الذي تعيش به الآن هنا، أنطلقت فى رحلة عملها وعادت "مريم" للقصر بعد أصرار "جمال" على خروجها وكثف الحماية عليها أكثر، بحث "عاشور" عن "ليلي" بكل مكان وقد مر الكثير من الوقت ولم تظهر نهائيًا، نزل "جمال" من الأعلي صباحًا وكان "عاشور" فى أنتظاره بصدمة كبيرة، فرك "جمال" عينيه بتعب وهو يقول:-
-خير يا عاشور على الصبح... لا صبح أيه دا الفجر لسه بيأذن
أعطاه "عاشور" الهاتف فنظر به وكان به مقالة مكتوبة عن العثور على جثة أنثي مُحرقة فى الطريق الزراعي بعد تعرضها للإغتصاب الشديد وبطنها مفتوحة بوحشية قاتلة دون رحمة وأنتزاع الفاعل رحمها وترك بطنها بأعضاءها واضحة كأنه كان ينتقم لأخذ الرحم منها فقط وبجواره حقيبة صغيرة تحمل أغراضها وبطاقة هويتها التى تخبرهما بهوية الضحية "ليلي"، كان هذا الخبر كفيل بأن يقظه تمامًا من نومه ورفع رأسه للأعلي بصدمة ألجمته حادقًا بـ "عاشور" لا يُصدق هذا وقال:-
-أيه دا؟
-فى واحد كان قاعد جنب الجثة وأعترف بالجريمة أنه أغتصبها وقتلها بعد ما طلع الرحم منها لأنها عملت فى مراته الأولى كدة وقتلتها زمان
قالها "عاشور" بجدية ليُصدم "جمال" من تلقي هذا الخبر ليتابع "عاشور" الحديث:-
-لكن لما دورت وراء طلع شغال عند سارة فى الملهي الليلي وساب الشغل من شهر تحديدًا فى اليوم اللى ظهرت فيه ليلي يوم الأفراج عن حضرتك، ولما روحنا بيته لاقينا مراته وعياله عزلوا من حي شعبي لمنتجع سكني من أسبوع فى اليوم اللى اتخطفت فيه ليلي
تنهد "جمال" بهدوء شديد ثم قال:-
-جريمة متركبة صح، الواد دا شال التهمة مقابل الفلوس واللى عملها سارة
أومأ "عاشور" له بنعم ثم قال:-
-دا حقيقي لأن لما اتحرت عن القصة دى أكتشفت أن سارة أتفقت مع دكتور تحت السلم أنه يخرج الرحم من جسم ليلي وهى عايشة ولما هددنا قال أنه استئصل رحم سارة زمان وكانت حامل بأمر من مختار وليلي وهددته لو معملش فى ليلي كدة هتبلغ عنه وتسجنه
وقف "جمال" من مكانه بصدمة ألجمته تمامًا مما يسمعه وبدأ يستوعب الأمر كليًا وقال:-
-يعنى سارة كل اللى عملته دا عشان توصل لليلي وأنا جبتها لحد عندها مقشرة
تحدث "عاشور" بهدوء شديد قائلًا:-
-متلومش نفسك يا جمال بيه، أنت مفيش أى ذنب فى رقبتك لأنك بنى أدم مش شيطان زيها، مين ممكن يتخيل أن فى حد بالوحشية دى... دا إحنا كرجالة عمرنا ما نفكر ننتقم من حد بالطريقة الوحشية دى
تنهد "جمال" بهدوء ثم قال:-
-دى شيطانة ولازم تأخد جزاءها وقريب، عملت اللى شريف قالك عليه
أومأ إليه بنعم فتنهد "جمال" بضيق ثم أعطي الهاتف لـ "عاشور" وصعد إلى غرفته مُجددًا، دخل للفراش بجوار "مريم" التى فتحت عينيها بوجه شبه نائم وقالت بعبوس:-
-كنت فين؟
-تحت
قالها بهدوء، أقتربت "مريم" تضع رأسها على صدره بلطف ليطوقها "جمال" بدفء وعقله لا يتوقف عن التفكير فى النهاية التى نالتها "ليلي" هل حقًا أستحقت نهاية بشعة ووحشية كهذا؟ .
سارت "جميلة" فى الحديقة بتوتر نحو "حسام" ورأته يمزح مع صديق له ويلف ذراعه حول عنق صديقه ويضغط عليه بقوة وصوت ضحكاتهم عالي، وقفت خلفه وقالت بتوتر:-
-حسام
ترك زميله وألتف إليها مُسرعًا كانت مُرتدية فستان بلون اللافندر بقط ويصل لأسفل ركبتها وحذاء بكعب عالي أسود اللون وتحمل حقيبة يد صغيرة سوداء وتصفف شعرها المفرود بمكواة الشعر على الجانب الأيسر وخلف ظهرها وتضع مساحيق تجميل باللون البني الهادي، أخذ خطوة نحوها ثم قال:-
-تحت أمرك
تحدثت بحرج دون أن تنظر إليه وعينيها تتجول فى العدم:-
-ممكن تجي معايا مشوار
هز رأسه لليسار بحيرة لا يفهم شيء فتابعت بخفة:-
-عندي ميعاد ومش عايزة أروح لوحدي لو مش فاضي ممكن تبعت معايا حد من الرجال دول
تنحنح بهدوء ثم قال:-
-تحت أمرك
سارت مسرعة كأنها تهرب من حرجها أمامه، أخذ سترته وأنطلق خلفها ليقود بها السيارة إلى المطعم ثم ترجل أولًا وفتح باب السيارة لها لكنها ظلت محلها مُتوترة وخائفة فقال بقلق:-
-حضرتك كويسة؟
نظرت له بحزن شديد ثم أومأت بنعم وترجلت من السيارة ليغلق الباب ووقف خلفها، قادت الطريق للداخل وفور دخولهما رأي الطبيب هذا الرجل الذي تقدم لخطبتها فى أنتظارها ليُصدم من وجوده وعلم سبب طلبها للقدوم معه فهى تخشي البقاء مع هذا الرجل وحدها، نظر إليها بأندهاش لصمتها وقبولها للأكراه لكنه مُدرك أنها تفعل هذا بسبب ضغط والدتها عليها مُستغلة المرض..
جلست "جميلة" على الطاولة معه وجلس "حسام" على طاولة مجاورة ينتظر أنتهاء هذا الموعد بملل وطلب قهوته، تحدث الطبيب بجدية:-
-أنا بقول أتكلم مع جمال ونحدد ميعاد الخطوبة على الأسبوع الجاي ونتفق على الفرح بعد شهرين ثلاثة
حاولت "جميلة" كبح غضبها مما تفعله لكنها صُدمت من جملته ورفعت نظرها إليه بصدمة إلجمتها وقالت:-
-شهرين ثلاثة.. وأسبوع أيه.. أنت مش شايف أنك مستعجل شوية
نظر الطبيب لها بسخرية وقال ببرود مع بسمة مُستفزة:-
-مستعجل أزاى، أنتِ عايزة خطوبة قد أيه سنتين ثلاثة، أنا ماليش فى المياعة وبعدين أنتِ مش واخدة بالك من سنك أنا دكتور نسا يعنى اللى زيك فرص الحمل بتبقي خطر كل ما تكبر
أتسعت عيني "جميلة" على مصراعيها من إهانته ومسكت كوب الماء بقبضتها وأرتشفت القليل منه ثم قالت:-
-اللى زي اللى هم مين
-اللى دخلوا الثلاثين لما نعمل خطوبة سنتين ثلاثة هتكون داخلة على الكام الخمسة وثلاثين
قالها بسخرية شديد فكزت على أسنانها وهى تسمعه يتابع قائلًا:-
-هتتجوزى وتخلفي أمتي... صحيح ياريت تعدي عليا فى المستشفي أعملك أشعة نطمن عليك برضو
قالها ببرود شديد كأنه لم يفهم ما يقول أو لا يشعر بحجم الإهانة الذي يُقدمها لها فلم تتحمل نرجسيته وإهانته أكثر، رفعت يدها بكوب الماء وقبل أن تلقي به فى وجهه، شعرت بيد "حسام" تمنعها، رفعت نظرها إليه وهى تكز على شفتها السفلية من الألم الذي يجتاحها وعينيها تتلألأ بها الدموع كأنها تترجاه أن يتركها تلقن هذا الغبي درسًا حتى يعرف كيف يتحدث،نظر "حسام"إليه بغضب مكبوح وقال:-
-أعتقد أنك لازم تعتذر
نظر الطبيب له بأندهاش ثم قال:-
-أفندم.. ثم أنت نسيت نفسك أنت مجرد بودي جرد هنا مين أدك الحق تمسك أيدها
تأفف "حسام" بغيظ شديد منه وخصيصًا أنه سمع بكل شيء دار فى حديثهما، ترك يدها وبسرعة البرق أخرج مسدسه وسحب بيده الأخري هذا الرجل من لياقته يوقفه بالقوة وقال بغضب سافر:-
-أفكرك أنا بمكانتي، أنا مستحيل أسمح لحد يهينها طول ما أنا موجود... أعتذر
أبتلع الطبيب لعابه بخوف من غضب هذا الرجل الذي يضع المسدس على عنقه موجهه إلى رأسه ونظر إلى "جميلة" التى ظلت مكانها لم تتفوه بكلمة أو تنظر إليه بل كل نظرها مُثبت على "حسام" والجميع ذعروا وهربوا من المكان فور إخراجه للمسدس، تحدث الطبيب بخفوت:-
-أنا أسف
دفعه "حسام" بقوة على المقعد وهو يقول:-
-نصيحة متخلينش أشوف وشك مرة تاني دا لو خايف على روحك
ألتف إليها وأخذ يدها بلطف فى راحة يده وغادر بها المكان لتدمع عينيها بألم وتتساقط الدموع، دفع باب المطعم بغضب أمامه وخرج بها من هذا المكان اللعين غاضبًا وبداخله بركان من الغضب لا يتحمله لتكمل "جميلة" عليه الغضب بصاعقة ألقتها عليه حين قالت بحزن:-
-تتجوزني؟
ألتف إليها قبل أن يفتح باب السيارة من أجلها وحدق بها كانت دموعها تسيل على وجنتيها كالفيضان ويدها تنتفض بين يده لكنه سرعان ما تركها بعد كلمتها وقال بصدمة:-
-ايه؟
كررت كلمتها بجدية دون مزاح وعينيها تحدق به رغم بكائها وأنكسارها بهذه اللحظة قائلة:-
-تتجوزني يا حسام.