قصة غرام المغرور البارت التاسع 9 بقلم نسمة مالك


قصة غرام المغرور
البارت التاسع 9
بقلم نسمة مالك


عتاب!!.. 
"خديجه".. 
تقف خلف "فارس" الجالس يتابع ساحرته بهتمام عبر الكاميرا الموجوده بغرفتها، والموصله بشاشه داخل جناحه الخاص.. 
عقدت يديها أمام صدرها، وتحدثت بنفاذ صبر قائله.. 
"وبعدين معاك يا فارس!!..أنا أول مره اشوفك مهتم بواحده بالشكل دا حتي بعد اللي قالته عنك دلوقتي؟!".. 
"قالت ايه يا ديجا؟ ..أنا كان معايا تليفون شغل، ومسمعتش حوارك معها"..
قالها "فارس" وعينيه لم تتزحزح عن "إسراء".. 
جلست "خديجه" بجواره، وربتت على كتفه برفق مردفه براحه.. 
" أنا برضوا قولت انت أكيد مسمعتش، و إلا كان زمانك عامل مصيبه أحنا في غني عنها".. 
ابتسم" فارس " بتهكم وهو يقول.. 
"هي لدرجاتي غلطت فيا ولا أيه؟! "..
إجابته "خديجه" بتعقل قائله..
"البنت شكلها تعبان أوي وقلبها مجروح جرح مش هين،وأكيد كلامها مش قصداه، ولا فاهمه معناه، وانت لازم تفكر كويس جداً في حكاية جوازك منها دي.. لأنها للأسف بحالتها دي، واللي قالته صعب توافق عليك او على غيرك حتي.. فبلاش تحرج نفسك معاها يا حبيبي".. 
هب واقفاً، وسار نحو الشاشة ببطء..قام بتصويب الكاميرا على ساحرته فقط.. حتى أصبح وجهها الملائكي الباكي ظاهر بوضوح.. 
رفع يده ومسد على وجنتيها كأنه يزيح عبراتها بمنتهي الرقه.. وتحدث بدهشه من نفسه، وأفعاله قائلاً.. 
" أنا نفسي مستغرب اللي حصلي من ساعة ما شوفتها يا ديجا.. هي فعلاً ساحره.. ساحرتني بجمالها الصافي، وأخلاقها اللي مقبلتش زيها في حياتي قبل كده"..
أخذ نفس عميق، وتابع بأسف.. 
"كل الستات اللي اترمو في طريقي معظمهم عرضوا نفسهم عليا من غير جواز حتي،اللي طمعانه في فلوس، واللي شغاله لحساب أعدائي، وبنت رئيس الوزراه دي خطوبتنا مجرد بسنس وبس".. 
طرد زفره نزقه وأكمل بتنهيده.. 
" ومش هكون مثالي وأقولك إني مستغلتش شويه من الستات الرخيصه دي لحسابي.. بس خلاص.. العمر بيجري وانا بقي عندي 33 سنه ولسه مجبتش وريث لأملاك الدمنهوري،و إسراء ظهرتلي في الوقت المناسب.. وقت عايز فيه إنسانه تاخد بأيدي للصح وتمنعني عن أي غلط بعمله يا ديجا".. 
رفعت" خديجه" حاجبيها بدهشه، ورمقته بنظرات منذهله وهي تقول.. 
"وتفتكر إسراء هي الانسانه دي يا ابني؟!".. 
ابتسم" فارس" لها ابتسامه هادئه، وحرك رأسه بالايجاب عدة مرات وهو يقول.. 
" هي يا ديجا هي..قدرت تعمل اللي قبلها فشلو فيه"..
صمت لبرهه وتابع بفرحه غامرة اعتلت ملامحه الوسيمه..

"خطفت أنفاسي ،ونبض قلبي من أول لحظة وقعت عنيا عليها"..

حركت" خديجه" رأسها بالنفي واقتربت منه وضعت كف يدها على جبهته وتحدثت بشك قائله..

"لا لا لا.. انت مش طبيعي أبداً.. فارس الدمنهوري طول عمره مالوش في الكلام الرومنسي، ولا حركات الرجاله الحبيبه دي.. أكيد في حاجه غلط ".. 

رفع" فارس " إحدي حاجبيه ونظر لها بفخر قائلاً ََ..

"دا انا ليا وليا كمان.. وعندي بحور رومانسيه شيلها للحبايب يا ديجا"..

دمدمت" خديجه" بصوت هامس محدثه نفسها..

"اممم ربنا يستر.. شكلنا داخلين على بحور فعلاً، وعلى الله محدش يغرق"..

بينما عاد" فارس"يتابع ساحرته بهتمام، وابتسامه بدأت تختفي شيئاً فشيئاً حين استمع لحديثها الباكي الذي يدل على شدة حزنها، وألم قلبها..

...................................

..بغرفة إسراء..

كانت "إلهام".. يعتصر قلبها بألم حاد على بكاء وحيدتها.. ليس بيدها أي شيء تقدمه سوي الدعاء لها وضمها لحضنها، والبكاء معها..

تلك الفتاه الصغيره التي أصبحت بين ليله وضحاها.. أرمله ومسؤله عن ابنتها، ووالدتها أيضاً ..دفنت حزنها بين ثنايا روحها..جاهدت حتي تظهر قويه بعدما رأت نظرة بعض أشباه البشر لها..نظره كالسوط تجلد جسدها،وتمزق قلبها..

وبالأخير وقعت تحت رحمة "فارس" ذلك المغرور كما تطلق عليه هي..

بنظرها الحياة ليست عادله،ولكنها على يقين أن الله الذي خلق هذه الحياة سيكون عادلاً، ورحيماً بها..

أطبقت جفنيها ببطء حين داهمتها ذكري زوجها الخلوق.. الرجل الذي تفنن بعشقها.. رغم ضيق الحال، والظروف الكثيره الصعبه التي مرت عليهما أثناء فترة زواجهما القصيره إلا أنه كان سنداً لها عند ضعفها..

ظلاً تستضيء به في الهموم و الأحزان .. مصدر قوتها وأمانها..

لينتهي كل هذا وتصبح وحيده من دونه بعدما حرمت منه للأبد..

بكت "إسراء" داخل حضن والدتها.. ملجأها الوحيد.. تتمسك بها بكل قوتها مردفه بغصه مريره..

"انا مش حمل كل اللي بيحصلي دا يا ماما.. جوزي حب عمري يموت في عز شبابه.. ويسبني لوحدي في الدنيا القاسيه دي.. انا من غيره بقي ضهري مكسور"..

رفعت وجهها ونظرت لها بأعين شدة الاحمرار، وتابعت بصعوبه من بين شهقاتها.. 

"من يوم ما مات وانا بلف حولين نفسي في دايره مقفوله مش عارفه أخرج منها، وقولت اعمل محاوله وأروح لصاحب الشركه يمكن ربنا يجعله سبب وأقدر أصرف معاش رامي"..

إزداد نشيجها وأكملت بأسف..

"بس طلع معندوش قلب وخلي الحرس بتوعه يضربوا عليا نار.. انا كدبت عليكي.. هو مكنش زوق ولا نيله معايا يا ماما"..

شهقت "إلهام" بصدمه مردده..

"يا كبدي يا بنتي". 

مسحت" إسراء " عبراتها بظهر يدها بطفوله، وتابعت  بغيظ..

" ودلوقتي جابني البيت عنده هنا علشان يعرف مني اللي جوزي شافه عنده في الشركة وقالي عليه قبل ما يموت"..

عقدت" إلهام" حاجبيها، ونظرت لها بقلق وتحدثت بتساؤل قائله..

"وهو عرف منين أن جوزك قالك حاجه عن شغله يا إسراء؟!"..

زمت "إسراء" شفاتيها واجابتها بملامح عابثه..

" انا اللي قولتله قدام الحرامي اللي بيسرقه واللي عامل نصايب في شركته من ورا ضهره علشان أحرق دمه زي ما سيح دمي وخت 6غرز مش عايزين يخفو لحد دلوقتي "..

"يالهوي على هبلك يابت.. بقي علشان تحرقي دمه توقعي نفسك مع واحد حرامي ممكن ينتقم منك ويعمل فيكي حاجه يا إسراء؟! "..

أردفت بها" الهام" بعتاب وهي تخبط على صدرها بخوف وفزع شديد..

عضت" إسراء " على شفتيها، وبأحراج قالت..

" انا عارفه اني اتغبيت وقتها، وغضبي وغيظي عماني ومبقتش عارفه بقول أيه.. بس دا ميدلوش الحق انه يبقي مراقبني في كل خطوه بعدها لحد ما استغل تعبي وجبني على بيته".. 

وضعت" الهام" أصابعها أسفل ذقنها تفكر بحديث ابنتها بتمعن، وتحدثت قائله..

"يبقي انا نظرتي في فارس دا صح.. الراجل فعلاً طلع عايز يحميكي بعد كلامك اللي قولتيه قدام الحرامي"..

صكت" إسراء " على أسنانها بغيظ متمتمه..

"يا سلام يا ست لوما، وهو عشان يحميني يقوم يتجوزني؟! "..

ضحكت" الهام" بقوه وامسكت وجنتيها بين أناملها تداعبها بلطف وهي تقول بخبث..

"ما أنتي عجبتيه، ودخلتي دماغه، وبإذن الله هتعششي في قلبه قريب أوي يا كبد أمك،وانا قلبي مطمني ليه مش عارفه ليه يا بت يا أم إسراء مع انه بجح وجرئ ومبيتكسفش خالص سبحان الله".. 

رفعت كلتا يدها للسماء ودعت من صميم قلبها قائله.. 

"يارب لو فارس دا خير لبنتي اجعله من حظها ونصيبها، وعوض وفرحه لقلبها يمحي حزنها وتفرح معاه بشبابها يااااااارب "..

ترقرقت أعين" إسراء " بالعبرات، ونظرت لها بعتاب قائله..

" انتي بجد عايزاني اتجوز بعد رامي الله يرحمه ، وأكون لواحد غيره يا ماما؟!"..

ربتت "إلهام" على كف يدها بحنان، وبتعقل قالت.. 

"يشهد ربنا يا بنتي ان موت رامي شق قلبي عليه كأنه ابني اللي مخلفتوش، ولو كانت ظروفنا أحسن من كده، وانا سليمه ومش حمل عليكي بمرضي؟!"..

أسرعت "إسراء" بوضع يدها على فمها توقفها عن تكملة حديثها، وهي تقول بلهفه..

"انتي عمرك ما كنتي حمل عليا يا ماما.. دا انتي وبنتي اهلي، وناسي وعزوتي اللي مليش غيرهم في الدنيا.. ربنا ميحرمنيش منكم أبداً يا حبيبتي "..

جذبتها" إلهام" لحضنها.. تضم رأسها بحنان بالغ، ولثمت جبهتها بحب وهي تقول..

"ولا يحرمني منكم يا ضنايا.. بس اسمعيني وافهمي كلامي كويس يا بنتي.. انا عمري ما هضرك، ولا هسيبك تضري نفسك..احنا حالنا دلوقتي لا يسر عدو ولا حبيب، وانتي لفيتي على شغل ياما ومافيش حاجه نافعه معاكي،وانا لو كنت أقدر اشتغل كنت ساعدتك وشلت عنك شويه بس ما باليد حيله.. الحمدلله على كل حال"..

وضعت أناملها أسفل ذقنها جعلتها تنظر لها وتابعت بصوت متحشرج بالبكاء..

"أنتي لسه صغيره والحياه قدامك.. متدفنيش شبابك بحزنك، وأدى لنفسك فرصه تانيه يابنتي يمكن يكون فيها خير وفرح لقلبك"..

حركت" إسراء " رأسها بالنفي، وهمت بالاعتراض.. لتسرع" إلهام " قائله بأمر..

"متستعجليش وفكري الأول، بطلي عياط وفوقي لنفسك انتي مش بطولك علشان تاخدي قرار لوحدك.. انا وبنتك متعلقين في رقبتك، واللي هتعمليه هيعود علينا كلنا..فقومي اتوضي ووضيني معاكي واوقفي بين ايد ربنا واطلبي منه يوفقك للصالح"..

"إسراء" بطاعه.. "ونعمه بالله العلي العظيم.. حاضر يا ماما هتوضي، واساعدك تتوضي، ونصلي سوا"..

اعتلي وجهها غضب مفاجئ وتابعت بأصرار..

" ولو ست خديجه موافقتش تشغلني.. يبقي هاخدك ونمشي من هنا غصب عن عين اللي اسمه فارس بيه دا"..

بينما "فارس" يتابع حديثهما بهتمام شديد، ومن ثم اتجه لخارج جناحه قاصداً غرفة ساحرته،وعلى وجهه ابتسامه متسعه تظهر مدي استمتاعه بالحديث مع تلك المشاكسه..

.....................................

"إيمان"..

تتابع "تامر" زوجها المحتضن" إسراء " الصغيره ويمسد على ظهرها بحب، ويقوم بأطعامها بنفسه، ويداعبها فتدوي صوت ضحكاتها البريئه تدخل السرور على قلب من يرها..

اعتلت ملامحها ابتسامه حزينه تخفي بها عبراتها التي ملئت عينيها، وتنهدت بصوت عالِ، واقتربت ببطء جلست جوارهما بعدما شعرت أن نوبة غضب زوجها هادئه الآن..

تتأمله بأعين عاشقه.. تشتاقه حد الجنون.. منذ موت شقيقه من ثمانيه أشهر، وهو تبدل حاله معها.. أصبح شخص أخر غير حبيبها الذي كان لا يطيق الإبتعاد عن حضنها ليله واحده..

أقتربت منه قليلاً حتي أصبحت تفصلهما بضعة انشات،وأغمضت عينيها لتهبط دمعه حارقه على وجنتيها مسحتها سريعاً وأخذت نفس عميق تستنشق عبق رائحته التي تتوق لها..

غير منتبه هو لها.. أو مصطنع عدم الإنتباه.. انتفضت بفزع،وكتمت شهقه خافضه حين تحدث بأمر قائلاً..

"قومي حضرلنا العشا علشان البت شكلها جعانه".. 

قالها "تامر" بنبرته الصارمه،والتي أصبحت جافه مع زوجته طيلة الفتره الأخيره..

كأنه شعر بقربها واشتياقها له فقرر ابعادها عنه..

ظلت جالسه بمكانها جواره تنعم بقربه للحظات.. تستجدي قلبه أن يرأف بها.. 

رسم الغضب على ملامحه واستدار فجأه ينظره لها نظره دبت الرعب بأوصالها، وبغضب مكتوم قال من أسفل أسنانه .. 

"انا مش قولت اتزفتي قومي حضرلنا عشا علشان البت جعانه.. ايه مسمعتيش؟"..

ظنت انه سيضربها كعادته مؤخراً.. لا يتحدث بلسانه.. فقط بيده.. فرفعت يدها بتلقائيه، واخفت وجهها بخوف مردده بطاعه..

"حاضر يا تامر.. هقوم"..

جحظت عينيه من رد فعلها، وما أوصلها إليه.. أسرعت هي،وانتفضت واقفه، وسارت نحو المطبخ بخطوات مهروله.. أمام نظراته المنذهله..

لتتوقف فجأه دون أن تلتفت له، وقد أغرقت عبراتها وجهها، وتحدثت بصوت جاهدت لأخراجه طبيعاً لكنه خرج مرتجف يظهر به كم قهرها، وحزنها.. 

"تامر انا عارفه أن علاجي طول أوي.. أكتر من 4سنين بتعالج، ومافيش نتيجه، وشكلي مش هقدر أخلف أبداً"..

تشنج جسد "تامر" وهو يستمع لحديثها الذي أعاد عقله له، وجعله يتذكر مرض زوجته، وقلبها المجروح الذي زاد هو جرحه أضعاف بمعاملته لها وابتعاده عنها..

مسحت "إيمان" دموعها بعنف، ورسمت ابتسامة زائفه على ملامحها الحزينه، واستدارت ببطء وتابعت دون أن تنظر له، والقت جمله جعلته يأنب نفسه على ما أوصلها إليه..

"وانت من حقك يكون عندك أولاد يشيلو أسمك.. علشان كده بطلب منك تتجوز يا تامر" ..

صمتت لبرهه تحاول الحفاظ على ثباتها، وتسيطر على بكائها، واكملت..

"كنت خايفه أقولك الكلام دا قبل كده لتتجوز واحده متوافقش إني افضل على زمتك، وتخليك تطلقني"..

نظرت له بعشق شديد ظاهر بعينيها الحزينه، وتابعت بلهفه..

" وانا مش عايزه اطلق منك يا تامر.. عايزه أفضل على زمتك حتي لو اتجوزت عليا".. 

هبطت عبرتها بغزاره، وبصوت مبحوح قالت..

" انا بحبك ومليش حد غيرك"..

وجهت نظرها للصغيره المستكينه داخل أحضان عمها، وأكملت بحنو..

"وزي ما قولت قبل كده.. أنت أولى بلحم بنت أخوك"..

أخذت نفس عميق، وبقوه مزيفه قالت..

" اتجوز إسراء يا تامر.. أنت ظلمتها وهي شريفه..كلمتني وفهمتني كل حاجه وانت عارف انها لو كدبت على الدنيا كلها مبتكدبش عليا.. قالتلي انها راحت بيت صاحب الشركة علشان تشتغل خدامه عند مامته و؟! "..

قطعت حديثها حين لمحت ملامحه التي تبادلت من الهدوء.. للغضب العارم.. وضع الصغيره أرضاً بجوار العابها الذي جلبها من أجلها ،وهب واقفاً وسار نحوها ببطء مريب حتي أصبح أمامها مباشرةً..

ضيق عينيه،ومال برأسه على وجهها وأردف قائلاً بتساؤل..

"عايزاني اتجوز عليكي أرملة أخويا اللي أنتي بتعتبريها أختك يا إيمان؟!"..البارت ال ٨ و ٩
غرام المغرور.. 

.. بعد مرور عدة ساعات..

كانت "إسراء" استعادة قوتها قليلاً بعدما أخذت دوائها اللازم.. بينما ظل "فارس" جالس بجوارها على الفراش.. مصطنع البرود واللامبالاه لنظرات "إلهام" الحارقه، وحديثها الصارم تقول بتعقل، وهي تجذب الغطاء على وحيدتها وتدثرها به جيداً..

"ميصحش كده يا بيه.. مش معني إننا في بيتك إنك تتحكم فينا وتخدش حيائنا بالشكل دا يا ابني".. 

"هطمن على إسراء وهخرج على طول يا مدام إلهام"..

قالها "فارس" وهو يقوم برفع الغطاء عن وجه "إسراء" التي تختبئ أسفله عن عينيه الجريئه، وتتحدث بغيظ بصوت خفيض يظهر عليه التعب..

" ما تحترم نفسك بقي يا جدع انت، وقوم من جنبي.. انت ايه معندكش حاجه اسمها حيا، ولا خشا"..

جذب الغطاء بعيداً عن وجهها، ومال بوجهه عليها قليلاً ،ونظر لعينيها التي تفقده صوابه بفتنان، وتحدث بابتسامة ماكره قائلاً بهمس..

"دا أنا كده مؤدب معاكي علشان خاطر مخدتش حياء مدام إلهام.. لكن لو عليا عايز استخبي معاكي تحت الغطا والله".. 

شهقت" إسراء" بعنف، وتحول وجهها لكتله حمراء، وبلحظه كانت أخرجت يدها السليمه من أسفل الغطاء وهمت بضربه على ملامحه الوسيمه وهي تقول بصوت مرتجف بعدما كادت أن تذوب من شدة خجلها..

" ا ا انت قليل الأدب"..

لكنه أمسك يدها، ورفعها على فمه قبل باطنها بعمق، وهو يضحك بصوت عالِ مستمتعاً بخلجها الذي يجعل قلبه يتراقص فرحاً،وتحدث من بين ضحكاته بصعوبه قائلاً.. 

"صدقيني أنتي أول واحده أكون مؤدب معاها كده"..

جحظت عينيها من جرائته، وملمس يده الضخمه على يدها الصغيره، لتلجمها الصدمه أكثر حين شعرت بشفتيه على يدها.. فتوجهت بعينيها لوالدتها التي تنظر ل"فارس" بفم مفتوح ببلاهه على آخره غير قادره على استيعاب أفعاله المشينه بالنسبه لها، وتحدثت بصوت تحشرج بالبكاء قائله..

"الحقيني منه يا ماما.. انتي سكتي ليه بس".. 

انتبهت "إلهام" على حالها..استجمعت قوتها، وجذبت "إسراء" عليها حتي أصبحت جالسه على قدمها، ووضعتها برفق بالجهه الأخرى من الفراش، وجلست هي حائل بينهما، وبين فارس الذي يشاهد ما فعلته بنظرات منذهله..

"يعني هي كده بقت بعيد عني مثلاً ؟! "..

قالها" فارس" بتهكم..

لتجيبه "إلهام" بحده قائله..

"اسمع يا أخينا أنت.. أحترم نفسك واتقي الله، وبطل اللي بتعمله دا، وملكش دعوه ببنتي خالص علشان متنزلش من نظري"..

غمزت له وأكملت بهمس.. 

"خليني أقف معاك واخليها توافق على جوازك منها.. بدل ما أقف ضدك"..

تهللت أسارير "فارس"، وحرك رأسه لها بالايجاب، وهب واقفاً، وسار نحو الخارج، وهو يقول..

" انتي تؤمرني يا مدام إلهام"..

بعدت" إسراء" الغطاء عن وجهها، ونظرت بعين واحده تتأكد من ذهابه.. لتتفاجئ به يقف على باب الغرفه ينظر لها ببراءه مزيفه، وهو يقول..

"شوفتي يا إسراء أنا مؤدب إزاي وبسمع الكلام وهخرج دلوقتي.. بس طبعاً هرجعلك تاني في كلام كتير لازم أقولهولك وأنتي هتسمعيه، وتنفذيه بالحرف"..

غمز لها بعبث مكملاً.. "يا ساحره"..

أنهى جملته وأغلق الباب خلفه.. لتتنهد" إسراء" براحه وتعتدل جالسه وتتحدث بأصرار قائله..

" إحنا لازم نمشي من هنا يا ماما قبل ما السافل المغرور دا يرجع".. 

" هنمشي نروح فين يا إسراء؟! "..

قالتها" إلهام" بأسف، وهي تمسد على شعر ابنتها بحنو..

عقدت "إسراء" حاجبيها، وبدهشه قالت..

"هو ايه اللي هنروح فين يا ماما؟!.. هنرجع بيتنا طبعاً"..

حركت "إلهام" رأسها بالنفي وببوادر بكاء قالت..

" مش بالسهوله دي يا حبيبتي"..

نظرت لها" إسراء "بعدم فهم.. فتابعت هي بعدما ابتلعت غصه مريره بجوفها..

"الموضوع طلع كبير أوي.. أكبر مننا وممكن نروح فيها انا وأنتي وبنتك كمان لقدر الله يا بنتي". 

اذدردت" إسراء" لعابها بخوف، وبقلق قالت..

"دا مكنش رأيك أصبح، وكنتي بتصحيني علشان نمشي من هنا.. أيه اللي حصل يا ماما.. احكيلي"..

بكت "إلهام" واردفت بحسره قائله..

"سلفك عرف إنك هنا في بيت صاحب الشركه اللي كان جوزك شغال فيها، ومش بس هو اللي عرف.. دا الحته كلها، وسمعتنا بقت على كل لسان يا إسراء، وتامر حالف ليخلص عليكي ويغسل عار أخوه"..

ضحكت" إسراء" بسخريه ودمدمت بتساؤل قائله..

" اممم، ومين بقي اللي قالك الكلام الفارغ دا.. أكيد المغرور فارس بيه علشان يلوي دراعنا، ونفضل تحت رحمته هنا صح؟! "..

اخرجت" إلهام " زفره نزقه من صدرها واجابتها بأسف.. " لا مش هو.. انا اتصلت على "إيمان" من تليفون الست "خديجه" اللي تقرب للواد الجرئ دا علشان اطمن على بنتك، وهي اللي قالتلي"..

شحبت ملامح" إسراء" والتزمت الصمت.. لتكمل"إلهام" حديثها بتعقل قائله..

" لازم نفكر كويس قبل ما نعمل اي حاجه يا بنتي.. انا مش مستغنيه عنك، ولا عن حفيدتي.. انا عايشه علشانكم يا إسراء"..

أنهت جملتها، واجهشت ببكاء مريره.. لتضمها

"إسراء" وتربت على ظهرها بحنان مغمغمه..

"أهدي يا ماما.. أكيد هنلاقي حل"..

صوت طرقات رقيقه على باب الغرفه.. جعلت

"إسراء" تنتفض بفزع، وتبتعد عن والدتها، وتختبئ سريعاً أسفل الغطاء..

ضحكت" إلهام" من بين دموعها، واردفت بثقه..

"لا دا مش هو المعدول.. هو مبيخبطش وهو داخل.. اطمني"..

"معدول ايه بس يا ماما.. قولي معوج.. مايل.. منيل"..

هتفت بها "إسراء" بغيظ شديد وهي تصك على أسنانها..

"ممكن ادخل".. 

قالتها "خديجه" بنبره مرحه، وهي تطل برأسها من باب الغرفه.. 

ابتسمت لها "إلهام" وهي تقول.. 

" طبعاً يا ست "خديجه".. دا البيت بيتكم، واحنا ضيوف عندكم".. 

خطت "خديجه" لداخل واغلقت الباب خلفها، واقتربت منهما جلست امامهما على الفراش، وتحدثت بابتسامة بشوشه قائله..

" خديجه بس يا إلهام، وبعدين أنتو أصحاب مكان، ولا أيه يا إسراء.. طمنيني عليكي عامله ايه دلوقتي"..

لم تجبها" إسراء".. بل تطلعت بها بأعين متسعه بعدما التمعت برأسها فكره ستكون منقذها الوحيد، وحسمت أمرها بتنفيذها..

"حضرتك والدة فارس بيه؟!"..

اردفت بها "إسراء" بلهفه.. لتبتسم لها"خديجة" ابتسامه تخفي بها حزنها وهي تقول..

" لا يا حبيبتي.. انا عمته،وفارس بيعتبرني زي مامته"..

وجهت "إسراء" نظرها للهاتف الذي بيد "خديجه" وهمست بخجل..

"طيب ممكن اعمل مكالمه اطمن على بنتي؟! "..

" طبعاً ممكن.. اتفضلي"..

قالتها" خديجه، وهي تعطي لها الهاتف بعدما قامت بفتحه..

طلبت" إسراء" الرقم الوحيد الذي تحفظه.. ليأتيها الرد على الفور..

"الو ايوه يا خالتي الهام.. طمنيني إسراء فاقت ولا لسه"..

اجابتها "إسراء" قائله.. " أنا إسراء يا إيمان"..

بكت "إيمان" وهي تقول بلهفه.. "إسراء.. انتي كويسه يا حبيبتي؟! "..

"الحمد لله على كل حال.. طمنيني على بنتي.. بتعيط يا إيمان".. 

"إيمان".. "بتعيط شويه، وبتلعب شويه.. متخفيش انا معاها واكلتها وحمتها وحطاها جوه عنيا.. بس المهم انتي أوعى تيجي يا إسراء.. تامر قايد نار، وحالف ليرتكب جنايه لو شافك"..

اعتلت ملامح" إسراء " الغضب وهي تقول..

" هيعملي ايه يعني..فهمي جوزك إني معملتش حاجه غلط يا إيمان".. 

صمتت لبرهه، واكملت بجمله جعلت اعين" خديجه" تتسع على أخرها حين قالت..

"انا بشتغل عند الست خديجه خدامه علشان أصرف على علاج امي وبنتي يا إيمان "..

شهقت "إيمان" بعنف مردفه..

"خدامه يا إسراء؟!"..

" إسراء " بقوه مزيفه.. " ايوه خدامه.. لا عيب، ولا حرام مدام بالحلال، واعملي حسابك وعرفي جوزك اني هاجي اخد بنتي".. 

"علشان خاطر ربنا بلاش تيجي دلوقتي يا إسراء.. انا خايفه عليكي يا حبيبتي، واطمني على بنتك، والله انا بعتبرها بنتي وانتي عارفه يا إسراء.. خليكي عندك، وانا هحاول اجبهالك..بس انتي خليكي.. علشان متحصلش نصيبه، ونرجع نندم كلنا"..

ترقرقت أعين" إسراء" بالعبرات، وبصوت اختنق بالبكاء قالت..

" طيب بوسهالي، واحضنيها اوي يا إيمان على ما أشوفها"..

" عنيا يا حبيبتي، وانتي خلي بالك من نفسك وابقي طمنيني عليكي علشان انا لازم اقفل.. تامر شكله جه.. سلام دلوقتي"..

اغلقت" إسراء" الهاتف، واعطته ل "خديجه" مغمغمه..

"شكراً".. 

"على ايه بس يا إسراء، وليه قولتي انك بتشتغلي هنا.. انتي متعرفيش ان فارس طلب إيدك من والدتك؟! "..

قالتها "خديجه" بهدوء، وهي ترمقها بنظرات متفحصه.. تود رؤية رد فعلها..

" مستحيل اتجوز بعد جوزي الله يرحمه.. هو كان أخر الرجاله المحترمين بعد والدي الله يرحمه هو كمان، وبنظري مبقاش في رجاله خلاص في الدنيا دي، وخصوصاً فارس بيه المغرور بزياده"..

قالتها" إسراء" بحده، وملامح جامده رغم عبراتها التي تهبط على وجنتيها ببطء..

"انتي عارفه لو فارس سمع كلامك دا هيعمل فيكي ايه؟! "..

اردفت بها" خديجه " بنبره محذره..

أخذت" إسراء "نفس عميق، وتحدثت بقوه زائفه قائله..

"مبخفش غير من اللي خلقني، ولو حضرتك معندكيش شغل ليا.. قوليلي وانا هدور على مكان تاني استرزق منه.. لو عندك يبقي جزاكي الله كل خير، وجميلك هفضل شيلاه على راسي العمر كله"..

نظرت لها" خديجه" بنظرات منذهله مردده.. 

"بترفضي تبقي صاحبة القصر، وعايزه تشتغلي خدامه فيه؟!"..

أطبقت "إسراء" جفنيها بعنف، وفتحت عينيها، ونظرت ل" خديجه" تستجديها قائله..

" انا طالبه مساعدتك.. فارس بيه شكله مش هيسبني أخرج من هنا بسهوله، وحضرتك بتقولي انه بيعتبرك زي مامته.. يبقي اكيد ليكي كلمه عليه.. فارجوكي احميني منه.. يا تخرجيني من هنا.. او توافقي اشتغل عندك"..

احتضنت "خديجة" وجهها بين كفيها، وتحدثت بأسف قائله.. 

"حبيبتي لا انا ولا غيري لينا كلمه على فارس، ورفضك ليه دا هيسبب مشكله مش هينه.. فنصيحتي ليكي تفكري كويس، وبلاش تعاندي"..

هبت واقفه، وسارت نحو الخارج وهي تقول. 

"فكري كويس يا إسراء، وانا هبعتلكم العشا علشان تاخدي علاجك"..

استدارت ونظرت لها نظره ارتعد منها قلب" إسراء" واكملت بابتسامة مصطنعه..

" واوعي تقولي الجمله بتاعت مافيش رجاله دي قدام فارس.. صديقيني هتزعلي أوي من رد فعله، واللي هيعمله وقتها"..

وجهت نظرها ل" إلهام" وتابعت..

" عقليها يا إلهام". 

انهت جملتها، وسارت للخارج غالقه الباب خلفها..

"انا ليه بيحصلي كل دا؟!"..

همست بها "إسراء" بصعوبه من بين شهقاتها الحاده.. لتزيد والدتها من ضمها، وتربت على ظهرها بحنو متمتمه بصوت متحشرج بالبكاء..

"استغفري ربنا يا بنتي، وارضي وقولي الحمد لله، وبمشيئة الله ربنا هينصرك"..

تأوهت "إسراء" بقوه، وبنحيب قالت..

"انا خايفه يا ماما.. لو كدبت على نفسي مش هكدب عليكي أنتي..انا مرعوبه من فارس المغرور دا.. مش عارفه هو ناوي يعمل ايه معايا بعد اللي عملته، وقولته لعمتو،وأكيد هي هتقوله"..

رفعت وجهها ونظرت لوالدتها بأعين تغرقها الدمع، وتابعت بلهفه شديده..

"خوفي عليكي انتي وبنتي أكتر من خوفي على نفسي.. لو عليا انا بتمني أموت وأرتاح"..

" بعد الشر عليكي.. دا أنا ما صدقت لقيتك يا ساحره"..

همس بها" فارس" الذي يتابع حديثهما بهتمام، وقلب زحف له القلق حين رأي بكاء ساحرته الذي يهدد بالانهيار..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البارت ال9..
غرام المغرور..
عتاب!!..

"خديجه"..

تقف خلف "فارس" الجالس يتابع ساحرته بهتمام عبر الكاميرا الموجوده بغرفتها، والموصله بشاشه داخل جناحه الخاص.. 

عقدت يديها أمام صدرها، وتحدثت بنفاذ صبر قائله..

"وبعدين معاك يا فارس!!..أنا أول مره اشوفك مهتم بواحده بالشكل دا حتي بعد اللي قالته عنك دلوقتي؟!".. 

"قالت ايه يا ديجا؟ ..أنا كان معايا تليفون شغل، ومسمعتش حوارك معها"..

قالها "فارس" وعينيه لم تتزحزح عن "إسراء"..

جلست "خديجه" بجواره، وربتت على كتفه برفق مردفه براحه..

" أنا برضوا قولت انت أكيد مسمعتش، و إلا كان زمانك عامل مصيبه أحنا في غني عنها"..

ابتسم" فارس " بتهكم وهو يقول..

"هي لدرجاتي غلطت فيا ولا أيه؟! "..

إجابته "خديجه" بتعقل قائله..

"البنت شكلها تعبان أوي وقلبها مجروح جرح مش هين،وأكيد كلامها مش قصداه، ولا فاهمه معناه، وانت لازم تفكر كويس جداً في حكاية جوازك منها دي.. لأنها للأسف بحالتها دي، واللي قالته صعب توافق عليك او على غيرك حتي.. فبلاش تحرج نفسك معاها يا حبيبي"..

هب واقفاً، وسار نحو الشاشة ببطء..قام بتصويب الكاميرا على ساحرته فقط.. حتى أصبح وجهها الملائكي الباكي ظاهر بوضوح..

رفع يده ومسد على وجنتيها كأنه يزيح عبراتها بمنتهي الرقه.. وتحدث بدهشه من نفسه، وأفعاله قائلاً..

" أنا نفسي مستغرب اللي حصلي من ساعة ما شوفتها يا ديجا.. هي فعلاً ساحره.. ساحرتني بجمالها الصافي، وأخلاقها اللي مقبلتش زيها في حياتي قبل كده"..

أخذ نفس عميق، وتابع بأسف..

"كل الستات اللي اترمو في طريقي معظمهم عرضوا نفسهم عليا من غير جواز حتي،اللي طمعانه في فلوس، واللي شغاله لحساب أعدائي، وبنت رئيس الوزراه دي خطوبتنا مجرد بسنس وبس". 

طرد زفره نزقه وأكمل بتنهيده..

" ومش هكون مثالي وأقولك إني مستغلتش شويه من الستات الرخيصه دي لحسابي.. بس خلاص.. العمر بيجري وانا بقي عندي 33 سنه ولسه مجبتش وريث لأملاك الدمنهوري،و إسراء ظهرتلي في الوقت المناسب.. وقت عايز فيه إنسانه تاخد بأيدي للصح وتمنعني عن أي غلط بعمله يا ديجا"..

رفعت" خديجه" حاجبيها بدهشه، ورمقته بنظرات منذهله وهي تقول..

"وتفتكر إسراء هي الانسانه دي يا ابني؟!"..

ابتسم" فارس" لها ابتسامه هادئه، وحرك رأسه بالايجاب عدة مرات وهو يقول..

" هي يا ديجا هي..قدرت تعمل اللي قبلها فشلو فيه"..

صمت لبرهه وتابع بفرحه غامرة اعتلت ملامحه الوسيمه..

"خطفت أنفاسي ،ونبض قلبي من أول لحظة وقعت عنيا عليها"..

حركت" خديجه" رأسها بالنفي واقتربت منه وضعت كف يدها على جبهته وتحدثت بشك قائله..

"لا لا لا.. انت مش طبيعي أبداً.. فارس الدمنهوري طول عمره مالوش في الكلام الرومنسي، ولا حركات الرجاله الحبيبه دي.. أكيد في حاجه غلط "..

رفع" فارس " إحدي حاجبيه ونظر لها بفخر قائلاً ََ..

"دا انا ليا وليا كمان.. وعندي بحور رومانسيه شيلها للحبايب يا ديجا"..

دمدمت" خديجه" بصوت هامس محدثه نفسها..

"اممم ربنا يستر.. شكلنا داخلين على بحور فعلاً، وعلى الله محدش يغرق"..

بينما عاد" فارس"يتابع ساحرته بهتمام، وابتسامه بدأت تختفي شيئاً فشيئاً حين استمع لحديثها الباكي الذي يدل على شدة حزنها، وألم قلبها..

...................................

..بغرفة إسراء..

كانت "إلهام".. يعتصر قلبها بألم حاد على بكاء وحيدتها.. ليس بيدها أي شيء تقدمه سوي الدعاء لها وضمها لحضنها، والبكاء معها..

تلك الفتاه الصغيره التي أصبحت بين ليله وضحاها.. أرمله ومسؤله عن ابنتها، ووالدتها أيضاً ..دفنت حزنها بين ثنايا روحها..جاهدت حتي تظهر قويه بعدما رأت نظرة بعض أشباه البشر لها..نظره كالسوط تجلد جسدها،وتمزق قلبها..

وبالأخير وقعت تحت رحمة "فارس" ذلك المغرور كما تطلق عليه هي..

بنظرها الحياة ليست عادله،ولكنها على يقين أن الله الذي خلق هذه الحياة سيكون عادلاً، ورحيماً بها..

أطبقت جفنيها ببطء حين داهمتها ذكري زوجها الخلوق.. الرجل الذي تفنن بعشقها.. رغم ضيق الحال، والظروف الكثيره الصعبه التي مرت عليهما أثناء فترة زواجهما القصيره إلا أنه كان سنداً لها عند ضعفها..

ظلاً تستضيء به في الهموم و الأحزان .. مصدر قوتها وأمانها..

لينتهي كل هذا وتصبح وحيده من دونه بعدما حرمت منه للأبد.. 

بكت "إسراء" داخل حضن والدتها.. ملجأها الوحيد.. تتمسك بها بكل قوتها مردفه بغصه مريره.. 

"انا مش حمل كل اللي بيحصلي دا يا ماما.. جوزي حب عمري يموت في عز شبابه.. ويسبني لوحدي في الدنيا القاسيه دي.. انا من غيره بقي ضهري مكسور"..

رفعت وجهها ونظرت لها بأعين شدة الاحمرار، وتابعت بصعوبه من بين شهقاتها..

"من يوم ما مات وانا بلف حولين نفسي في دايره مقفوله مش عارفه أخرج منها، وقولت اعمل محاوله وأروح لصاحب الشركه يمكن ربنا يجعله سبب وأقدر أصرف معاش رامي".. 

إزداد نشيجها وأكملت بأسف.. 

"بس طلع معندوش قلب وخلي الحرس بتوعه يضربوا عليا نار.. انا كدبت عليكي.. هو مكنش زوق ولا نيله معايا يا ماما"..

شهقت "إلهام" بصدمه مردده..

"يا كبدي يا بنتي"..

مسحت" إسراء " عبراتها بظهر يدها بطفوله، وتابعت  بغيظ.. 

" ودلوقتي جابني البيت عنده هنا علشان يعرف مني اللي جوزي شافه عنده في الشركة وقالي عليه قبل ما يموت"..
عقدت" إلهام" حاجبيها، ونظرت لها بقلق وتحدثت بتساؤل قائله.. 
"وهو عرف منين أن جوزك قالك حاجه عن شغله يا إسراء؟!"..
زمت "إسراء" شفاتيها واجابتها بملامح عابثه..
" انا اللي قولتله قدام الحرامي اللي بيسرقه واللي عامل نصايب في شركته من ورا ضهره علشان أحرق دمه زي ما سيح دمي وخت 6غرز مش عايزين يخفو لحد دلوقتي "..
"يالهوي على هبلك يابت.. بقي علشان تحرقي دمه توقعي نفسك مع واحد حرامي ممكن ينتقم منك ويعمل فيكي حاجه يا إسراء؟! ".. 
أردفت بها" الهام" بعتاب وهي تخبط على صدرها بخوف وفزع شديد..
عضت" إسراء " على شفتيها، وبأحراج قالت..
" انا عارفه اني اتغبيت وقتها، وغضبي وغيظي عماني ومبقتش عارفه بقول أيه.. بس دا ميدلوش الحق انه يبقي مراقبني في كل خطوه بعدها لحد ما استغل تعبي وجبني على بيته"..
وضعت" الهام" أصابعها أسفل ذقنها تفكر بحديث ابنتها بتمعن، وتحدثت قائله..
"يبقي انا نظرتي في فارس دا صح.. الراجل فعلاً طلع عايز يحميكي بعد كلامك اللي قولتيه قدام الحرامي"..
صكت" إسراء " على أسنانها بغيظ متمتمه..
"يا سلام يا ست لوما، وهو عشان يحميني يقوم يتجوزني؟! "..
ضحكت" الهام" بقوه وامسكت وجنتيها بين أناملها تداعبها بلطف وهي تقول بخبث..
"ما أنتي عجبتيه، ودخلتي دماغه، وبإذن الله هتعششي في قلبه قريب أوي يا كبد أمك،وانا قلبي مطمني ليه مش عارفه ليه يا بت يا أم إسراء مع انه بجح وجرئ ومبيتكسفش خالص سبحان الله"..
رفعت كلتا يدها للسماء ودعت من صميم قلبها قائله..
"يارب لو فارس دا خير لبنتي اجعله من حظها ونصيبها، وعوض وفرحه لقلبها يمحي حزنها وتفرح معاه بشبابها يااااااارب ".. 
ترقرقت أعين" إسراء " بالعبرات، ونظرت لها بعتاب قائله..
" انتي بجد عايزاني اتجوز بعد رامي الله يرحمه ، وأكون لواحد غيره يا ماما؟!"..
ربتت "إلهام" على كف يدها بحنان، وبتعقل قالت.. 
"يشهد ربنا يا بنتي ان موت رامي شق قلبي عليه كأنه ابني اللي مخلفتوش، ولو كانت ظروفنا أحسن من كده، وانا سليمه ومش حمل عليكي بمرضي؟!"..
أسرعت "إسراء" بوضع يدها على فمها توقفها عن تكملة حديثها، وهي تقول بلهفه..
"انتي عمرك ما كنتي حمل عليا يا ماما.. دا انتي وبنتي اهلي، وناسي وعزوتي اللي مليش غيرهم في الدنيا.. ربنا ميحرمنيش منكم أبداً يا حبيبتي "..
جذبتها" إلهام" لحضنها.. تضم رأسها بحنان بالغ، ولثمت جبهتها بحب وهي تقول.. 
"ولا يحرمني منكم يا ضنايا.. بس اسمعيني وافهمي كلامي كويس يا بنتي.. انا عمري ما هضرك، ولا هسيبك تضري نفسك..احنا حالنا دلوقتي لا يسر عدو ولا حبيب، وانتي لفيتي على شغل ياما ومافيش حاجه نافعه معاكي،وانا لو كنت أقدر اشتغل كنت ساعدتك وشلت عنك شويه بس ما باليد حيله.. الحمدلله على كل حال"..
وضعت أناملها أسفل ذقنها جعلتها تنظر لها وتابعت بصوت متحشرج بالبكاء.. 
"أنتي لسه صغيره والحياه قدامك.. متدفنيش شبابك بحزنك، وأدى لنفسك فرصه تانيه يابنتي يمكن يكون فيها خير وفرح لقلبك"..
حركت" إسراء " رأسها بالنفي، وهمت بالاعتراض.. لتسرع" إلهام " قائله بأمر..
"متستعجليش وفكري الأول، بطلي عياط وفوقي لنفسك انتي مش بطولك علشان تاخدي قرار لوحدك.. انا وبنتك متعلقين في رقبتك، واللي هتعمليه هيعود علينا كلنا..فقومي اتوضي ووضيني معاكي واوقفي بين ايد ربنا واطلبي منه يوفقك للصالح".. 
"إسراء" بطاعه.. "ونعمه بالله العلي العظيم.. حاضر يا ماما هتوضي، واساعدك تتوضي، ونصلي سوا"..
اعتلي وجهها غضب مفاجئ وتابعت بأصرار..
" ولو ست خديجه موافقتش تشغلني.. يبقي هاخدك ونمشي من هنا غصب عن عين اللي اسمه فارس بيه دا".. 
بينما "فارس" يتابع حديثهما بهتمام شديد، ومن ثم اتجه لخارج جناحه قاصداً غرفة ساحرته،وعلى وجهه ابتسامه متسعه تظهر مدي استمتاعه بالحديث مع تلك المشاكسه.
"إيمان"..






تعليقات