رواية جبروت صعيدي
الفصل الثامن عشر 18
بقلم سامية صابر
دلفت وفاء بغضب الى فرغلي الذي يجلس فى غرفته شارد قالت بغضب شديد
=انت هتفضل قاعد كدا يا فرغلي ولا ايه.. مش هتعمل حاجة ؟!
=وفاء بقولك ايه انا مش فايقلك، دماغى فيها مليون حاجة والله...
=لاء معلش ماليش دعوة انت قولت انك هتساعدنى ولازم توفى بوعدك بقا وساعدني اعمل اى حاجة تفرق بيها فاروق وثريا بأى طريقة كانت...
نطق فرغلي بضيق
=لازم اخلص من حسن الاول ،بعدين هشوفلك موضوع فاروق دا.
=لاء انا مش هفضل مستنية ، انا هفكر بنفسى وهتصرف مش هما يتهنوا هناك وانا تعبانة ومخنوقه هنا...
=خلاص استنى انا عندي خطة..
=خطة ايه دي ان شاء الله !
ارتاح الجميع فى غُرفهَ الى الامس ولم ينزل احد سوي عهد التي نزلت تتمشى وسط الأجواء الهادِئة الجميلة ورآها باسل من اعلى وهو يقف في شرفة المنزل وقرر الهبوط اليها..
التفت الى حسن بتوتر قائلا
=انا بفكر ابدأ المح ل عهد بحبي ، دي لو اي واحدة كنت قولت على طول بس دي مش اي حد ف لازم اخطط ليها..
نطق حسن بملل
=بكرا تندم، مفيش حاجة حلوة من وراء الحب الا القرف والارهاق والتعب يا باسل... عيش حياتك من غير ما تتنازل وتتعب علشان خاطِر حَد كذاب ميستهلش..!
=بص يا حسن انا يمكن مش فاهم كتير في حكايتك مع مُهرة بس انا شايف انه الموضوع ما استحقش كُل اللى حصل دا انها تجهض تخسروا بعض وتبعدوا والكلام دا كله...
=احنا خلاص مبقاش فيه مجال ما بينا للرجوع، الحٌب واللهفة والمشاعر مش هتبقى زي الاول...
قال باسل وهو ينهض رابطًا على كتفه
=سمعت مرة جُمله قالها ياسين " الخِلافات لا تقتُل الحُب بل تجدده ف ان اتخذتها حِجه للفُراق، يبقى انت لا تعرف معني الحُب" ، اديك شوفت فاروق وثريا حصل مابينهم اللى ممكن يخليهم ينفصلوا للابد بس لانى حبهم قوي وحقيقي متهزمش مش الخلافات اللى تهزم الحب دي هى اللى بتقويه...
التفت وغادر الغرفة تاركًا حسن غارق في افكاره ما بين عقله وقلبه... وصورة مهرة تتأصل امام عيونه ببرائتها وضحكتها بكُل ما تحمله المعنى.. وداخل تلك البراءة كاذبة وماكرة كبيرة دومًا عذبته...
هبط باسل الى الاسفل يبحث عنها ليراها واقفة تتحدث مع احد الرجال شعر بالضيق الشديد وربما بالغيرة ، ذهب اليها بغضب قائلا وهو ينظر للاخر بقوة
=عهد.. بتعملى ايه؟
=باسل! ولا حاجة، كان بيسألنى عن حاجة مش اكثر..
تابع الاخر بهدوء
=شكرا يا آنسة عهد عن اذنك..
غادر وتركهم ليقول باسل بضيق
=كان بيتكلم معاكي ف ايه ان شاء الله وليه توقفى تتكلمي معاه بالطريقة دي ؟
=جرا ايه باسل انت مكبر الموضوع اوي هو انا كُنت عملت ايه يعنى ؟
=بصي يا عهد بصراحة انا مش بحبك تتكلمي مع اي حد والسلام كدا .. شخص متعرفيهوش توقفي تتكلمي معاه ليه.
=هو بس سأل ع حاجة ورديت وخلاص متكبرش الموضوع بقا..
تنهد قائلا بهدوء
=ماشى يا عهد انا بس خايف عليكِ لا اكثر ولا اقل..
=متخافش عليا..
=خلصانه كدا مش هخاف..
ابتسمت بخفة ليقول لها بتنهيدة
=تعالى معايا هجبلك حاجة حلوة.
رحلت خلفه ليجيب لها ايس كريم ثم يدخلون الى حديقة الملاهي يلعبون بضحك وسعادة هُم الى حدٍ كبير شبه بعض فى الطباع ،ولكن باسل كان يتخذ طريق السوء أحيانًا الى ان هداه الله ليبتعد تدريجياً عنه وكأن إعجابه وحبه لعهد سببًا فى التغيير.
فى صباح اليوم التالى...
قرر الجميع النزول على الشاطيء ؛ وقفت عطر تنظر بضيق لياسين الذى يرتدي ملابسه امام المرآه ثم قالت وهي تمط شفتيها للامام
=متشيك اوي كدا ليه؟.
نظر لها بغرابة قائلا
=عادي يمكن علشان ف رحلة والمفروض يعنى البس حاجة كويسة...
=ماشى يا ياسين بس حسك عينك قراقيش بتتكلم مع بت كدا او تبص لبت كدا..
التفت لها قائلا بحب
=يحبيتي عينايَّ لا تري سواكِ
=كٌل بعقلي حلاوة كُل .. قدامى يا عم ياسين ..
خرج الجميع من غرفه الى الاسفل وكل منهم مع بعضهم فيما عدا مهرة التى جاءت اخر واحدة وهي ترتدي ملابس لطيفة خفيفة وتضع حجاب خفيف فوق راسها ولسوء الحظ تقابلت مع حسن لتتجاهله تماما ولم تنظر له مقررة تعليمه الادب قليلا وان يكفُ عن تسلطه عليها...
بينما نظر لها من اسفل الى اعلي قائلا بضيق
=مش شايفة ان البنطال ضيق ومينفعش تنزلي بيه اصلا ملبستيش فستان ليه...
لم تجيب وظلت متجاهلة اياه ليضرب بيديه بقوة على حائط المصعد ويوقفه بغضب قائلا
=انا بكلمك لما اكلمك كلميني يا مهرة !
رفعت نظرها اليه بغضب قائلة
=انت مين علشان تتحكم فيا يا حسن احنا خلاص اتطلقنا يبقي البس اللى انا عايزاه بقا مفهوم ولا لاء ومش من حقك تعترض او حتى تتكلم معايا...
=متختبريش صبري لما اقول كلمة تتسمع وتتنفذ ولا علشان ما صدقتى طلقتك ...
قالت بعتاب شديد
=مين اللى طلق واتخلى ومشي ؟
=ومين اللى كذب ... ومين اللى طلب الطلاق.. ناقص قلاقيكي بتكذبي عليا في موضوع حُبَّك ليا...
نظرت له بصمت ولم تتحدث وهبطت دموعها رغمًا عنها فنفسها صعبت عليها بالفعل كثيرا، وحاولت الرحيل الا انه امسكها وشعر بالضعف تجاه دموعها التي تكويه كويًا من الداخل، مسح دموعها بأطراف اصابعه بحنو قائلا بنبرة دافِئة
= آسف...
اعاد تشغيل المصعد ثم خرج هو اولا منه وهي خلفه الى الشاطيء كان الجميع نصبوا الخيَّم والكراسي ، جلس عمران ويونس كعادتهم يلعبون طاولة على الشاطيء وذهب يونس الصغير الى ميرا ليلعبوا معاً قائلا لها بصرامة
=ملبستيش فستان ليه ايه البنطلون دا؟
=يونس يا حبيبي مش هعرف اتحرك ممكن اقع وميرا حبيبتك تتكسر...
قال برفض وخوف عليها
=بعد الشر عليكى خلاص ماشى بس ارفعي شعرك دا مش تفرديه علشان بغير حد يشوفه غيري.. وكمان قريب هتتحجبي..
هزت رأسها بطاعه ليأخُذِ بيديها الى البحر ويُعلمها العوم وهي تبتسم وتضحك وهو سعيد بفرحتها ولكن غيرته من ان احد يراها قوية بالفعل...
ذهب فاروق الى ثريا وسحب يديها قائلا
=تعالى ننزل البحر !
قالت بحرج
=مش بعرف اعوم يا فاروق ما انت عارف...
=عارف يا حبيبتي ولا انا بعرف اعوم بس مش مهم نغرق سوا في بحر الحُب...
قهقهت بخفة قائلة
=آه منك يا فاروق والله...
ذهبوا معاً الى أطراف البحر وكذالك نهض يونس قائلا
=قومي يا حاجة ننزل نتبل شوية ونِطلع.
=يووه يا حاج اخاف اغرق.
=متخافيش نقعد على الشط سوا قومي.
نهضوا معا وذهب عمران الى الداخل ليعوم قليلاً وكذالك ذهبت عطر مع ياسين معًا، وبقت مهرة ظلت تقرأ فى كتاب ما وحسن يجلس مقابلها الناحية الاخري ، مرت من امامهم فتاة شبه عارية اصطدمت بحسن عمدًا ثم قالت بإغراء
=سوري والله مخدتش بالي...
=ولا يهمك يا آنسة.
=مايا اسمى مايا
=حسن!
=حسن واو اسم جميل جدا...
نظرت لهم مهرة بعصبية شديدة ثم نهضت تتمتم بغضب
=بلا قلة ادب...
لاحظها حسن ليبتسم خفية ثم تركها وذهب خلف مهرة قائلا بصوت عالى
=على فين !
لم تجيب عليه ف امسك يديها يلفها نحوه قائلا بغضب
=ميت مرة اقولك ردي عليا لما اتكلم يا مهرة ردي علياااا
=جاي ورايا ليه هاه جاي ورااايا ليييه روح للست هانم دي...
=الله وانتِ متضايقة ليه!
=وهضايق ليه ان شاء الله اوعي تفكر انى غيرانة منها ولا حاجة دي متجيش جنبي حاجة...
رمقها بتسليه لتنظر له بغيظ وضيق ثم تركته وتقدمت للامام ليقول احد الشباب بطريقة غير مُهذبة
=تعالى بس فكري...
وقف امامه حسن قائلا بنبرة باردة
=إبقى فكر انت لما تعاكس حد ميخصكش!
=وانت مالك وهو انا كلمتك...
=كلمت حاجة تخصني ودا اسوء لو كنت تعلم.. وشكلك نفسك تتربى جديد...
قام بضربه بقوة وقسوة ليخرج اخوته على أثر صوته بقلق يفكون تلك المعركة العنيفة التي لم يهدأ فيها حسن من غيرته...
ولكن لحسن الحظ اليوم مر بسلام والمشاجرة انتهت وبعد وقت طويل وقت الغروب رحل الجميع الى الاعلى للإغتسال وبقي حسن ومهرة التي اصرت على البقاء...
دلفت الى البُحيَّرة بهدوء مع وقت الغروب ويوجد فقط القليل من الماء غطست مرة واحدة ثم خرجت لتصطدم بجسد كبير وهو حسن الذي وقف امامها شهقت بفزع وهى تتراجع للخلف قائلة
=بتعمل ايه هنا...؟
=بعوم.. يكونش البحر بتاعك وانا معرفش...
اقترب منها بخفة ليستنشق عبيرها وهى فقط تبتعد بخجل ثم قالت فجأةً
=يلا نطلع بقا كفاية .. ك..دا..
تركته ثم خرجت من البحر وهو فقط ينظُر لها، اهو حقاً أحب بتلك الطريقة؟ للدرجة عدم تحمله وصبره على فراقها... يود احتضانها وتقبيلها كما فى السابق ولكن كبريائه وجبروته يمنعاه وكالعادة هو فى حيرة ما بين عقله وقلبه....
فى مساء اليوم..
بعدما ارتاح الجميع وأبدلوا ملابسهم ، خرجوا لتناول الطعام ولكن لم يخرج فتحية ويونس وعمران، وخرج الشباب والفتيات، كانت مهرة لا تريد الخروج ايضاً ولكن مع اصرار الجميع رسخت لهم..
خرجت اولهم ميرا التي كانت ترتدي فستان طويل وكعب صغير وتركت شعرها للعنان، نظر لها يونس بضيق قائلا بغيرة
=مش قولتلك متفرديش شعرك يا ميرا ؟
=يا يونس احنا فى رحلة وانا عايزة افرد شعري.. علشان خاطري يا يونس علشان خاطري هاه مرة واحدة بس...
=طيب خلاص المرة دي وبس اتفضلي قدامي يا ست ميرا..
ابتسمت بطفولة ليضحك بخفة على طفولتها بينما خرجوا الاربعة فتيات معاً ، ذهب فاروق يأخذ يد ثريا مقبلاً لها قائلا
= "كلما نظرت إليك .. ايه ؟ هي كانت ايه ياسين ...
=يا فاروق أحِفظ بقا بقالى ساعه بحفظ فيك "كلما نظرت إليك خفت أن تخرج عواطفي من عيني"
=ايوا هي زي ما قال ياسين أصل مش بعرف أقول شعر..
ضحكت بقوة قائلة
=وانا مش بفهمه، خلينا بطبيعتنا، كلامنا العشوائي دا وخلاص...
=انا بقُول كدا برضوا ...
رحلوا اولاً ثم أخذ ياسين يد عِطرَ قائِلًا بهمس في أذنها وهى خجِله
=حين أحببتك .. أدركت معنى أن يكون للإنسان روحاً بعيدة عنه لكنها أقرب إليه من كل شيء ...
ابتسمت بهدوء قائلة
=وحين رأيتك، فهمت معني الاطمئنان والراحة اللي قعدت ادور عليهم قبل الحب يا ياسين...
نطق باسل بنفاذ صبر
=ما يلا يا ممحونين من هنا يلا ...
ضحكوا على حديث باسل ثم خرجوا وخرج ورائهم عهد وباسل ، نظرت مهرة حولها فلم تجد حسن رحلت بمفردها خلفهم الى مطعم رقيق وغالٍ فى مكان أنيقْ جدًا جلسوا جميعاً حول الطاولة يطلبون الاطعمة المختلفة حسب رغبة كُل منهم...
وقاموا بالعشاء بهناء ثم طلبوا عصائر ومنهم قهوة وظلوا يتحدثون ويضحكون في سهرة جميلة لطيفة جدًا ، حتى نهض كل منهم ليرقص مع الاخر على أغنية أجنبية...
وجلست مهرة بمفردها دمعت عينيها بقهر ثم نهضت بهدوء من امامهم وحاولت الخروج الى الشرفة لتشعر بمن يجذب يديها بقوة شهقت بخوف لتري نفسها فى أحضان حسن الذي جاء للتو...
كان أنيق جميل جذب انظارها لكنها شهقت قائلة
=ح... حسن انت بتعمل ايه ؟
=وحشتيني..
=سيبني يا حسن خلاص مبقاش ينفع...
=لسه بتحبيني.. ؟ لسه عايزانى..
=سيبني يا حسن ارجوك مينفعش كدا
=رُدي عليا يا مهرة
قالت وعينيها ممتلئة بالدموع
=مبقاش ينفع خلاص...
=طالما احنا موجودين ينفع.. مش هسيب حُبنا يضيع هباءً
=انت اللى ضيعته يا حسن !
=وانا اللى هرجعه يا مهرة ..
ابتعدت عنه بقوة شديدة وهي تتراجع للخلف وتهز رأسها برفض شديد ولكن فجأةً انقطعت الانوار ودلف الي المطعم رجال مُسلحين يطلقون النار عليهم بقوة واصوات كثيرة غير مفهومه...
اصابت الطلقة حسن وثريا هم فقط من اصيبوا ثم رحلوا الرجال بسرعة وقوة ركض خلفهم باسل وياسين بينما صرخ فاروق وهي يحمل ثريا الغارِقة في دمائها بين احضانه صرخ وهي يبكي عليها
=ثريا لاء ثريا فوقي...
ابتلعت ريقها بألم شديد وهي تمسك فاروق بقوة قائلة بدموع
=متنسانيش يا فاروق... إوعى تنساني...
=لاء ثريا فوقي يا ثريا فوقي علشان خاطري...
بينما صرخت مهرة وهي تحتضن حسن الغارق في دمائه ولكن لا نفس ولا صوت ف أخذ طلقتين ليست واحدة صرخت ببكاء وبصوت عالى وهي تحتضنه بقوة باكية صارخة لا تتوقف ولكن يبدو أنهُ قبل ان ينفس أنفاسه الاخيرة مسك يديها ولم يتركها على الإطلاق...
تحول المكان لبركة من الدماء ليفقد اليوم شخصين عزيزين عليهم...